فن

عندما يتوحدّ اللبنانيون… هكذا تكون النتيجة

عود على بدء. وبهذه العودة الكثير من العبر. ويبقى الحديث عمّا أثارته فرقة “مياس” فينا من شعور حديث الساعة. هو شعور الإعتزاز بكوننا لبنانيين.

في لحظات، ومن خلال إبداعات تلك الفتيات وذاك الشاب الموهوب والطموح، أعاد الذين شاهدوا العروض النهائية لمسابقة “أميركان غوت تالنت”، وهم بالملايين، النظر بإنطباعات سابقة عن بلد صُور على غير حقيقته، في شكل أساء إلى سمعته في الخارج.

في الرابع عشر من أيلول ٢٠٢٢، إستطاعت ٣٦ فتاة أن تحقّق بدقائق قليلة ما عجزت عن تحقيقه السفارات اللبنانية المنتشرة على إمتداد العالم خلال سنوات.
من كان يعتبر، ولو عن خطأ أو نتيجة الحملات الإعلامية الإسرائيلية، أن لبنان هو بلد إرهابي، قد غيّر نظرته هذه، من خلال ما شاهده من إبداع، وأعاد الإعتبار إلى هذا البلد الصغير، الذي ينوء تحت أحمال ثقيلة هذه الأيام.

فبفضل تلك الفتيات الفتّيات سمع العالم كله بإسم لبنان، وقدّر له عاليًا ما يزخر به من مواهب على هذا المستوى العالي والراقي والحضاري.

وبفضل تكاتف اللبنانيين المغتربين، الذين يعيشون في مختلف الولايات الأميركية، والذين صوتوا بصوت واحد لهذه الفرقة التي رفعت إسم بلدهم الأم عاليًا، وبنتيجة توّحدهم حول فكرة سامية، فازت فرقتهم الوطنية بهذه الجائزة، التي فتحت لأعضائها آفاق المستقبل.

هكذا توحدّ اللبنانيون. وهكذا كان لهذه الوحدة فعلها وأثرها، حيث تفاعل معه الشعب الأميركي، الذي صوّت للإبداع اللبناني.

وعندما صوّت محمد وحسين ومعروف لم يسألوا إذا كان من بين الصبايا من تحمل إسم فاطمة أو عائشة أو خديجة. وكذلك الأمر عندما صوّت مارون وديمتري ونقولا، الذين لم يكترثوا كثيرًا إذا ما كان من بين الصبايا من إسمها ريتا أو جورجيت أو تريز.

هؤلاء اللبنانيون صوّتوا للبنان الواحد الموحدّ، صوتوا للبنان الجميل، صوتوا لما يرمز إليه وطنهم، الذي لا يزال يعني لهم الكثير.

وفيما نرى لبنانيي أميركا يتوحدّون حول فكرة غير سياسية، لا نزال نرى في لبنان أن ثمة من يريد إدخال البلاد في جحيم الفراغ، من خلال تعطيل نصاب إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.

فالسياسة تفرّق “يللي بعمرو ما تفرّق”، فكم بالحري بالنسبة إلى من لديه قابلية سليقية بعدم التوحدّ حتى على إنتخاب مختار أو تعيين ناطور. فالذين لا يستطيعون التوافق على تعيين رئيس لجمعية خيرية لا هدف لها سوى عمل الخير، يُطلب منهم اليوم الإتفاق على رئيس للجمهورية.

وما المانع؟
يسأل سياسي مخضرم: هل تنتظرون، والسؤال موجّه إلى جميع الكتل النيابية والأحزاب الممثلة في البرلمان، أن يصبح معظم اللبنانيين خارج حدود الوطن غرباء في بلاد الله الواسعة، وهل تنتظرون أن يصبح من لا يزال مصرّا على البقاء صامدًا في أرض الأباء والأجداد غريبًا في وطنه؟

هل تنتظرون أن تدّب الفوضى ويعمّ الخراب كل أرجاء الوطن، وهذا ما يبشرّنا به من يُفترض بهم أن يكونوا حماة الهيكل، قبل أن تتوافقوا على رئيس “إنقاذي” بالمفهوم الوطني العام، رئيس لا يكون محسوبًا لا على عمر ولا على زيد، بل يكون “مياسيًا” بالمعنى الجامع والموحِد؟

جرّب اللبنانيون الرئيس المحسوب على جهة دون أخرى فلمسوا لمس اليد ما كانت النتيجة. ومن يجرّب المجّرَب لا يكون عقله مخرَّبًا فحسب، بل يكون “بلا مخّ بالمرّة”.
ما حصل بالأمس في الجلسة النيابية، حيث طُيّر النصاب، لا يبشرّ بالخير، ويشي بأن البلاد مقبلة على فوضى تشريعية متزامنة مع فوضى في الشارع لا تُحمد عقباها.

مقالات ذات صلة