داليدا عياش: ”رأيت الموت وارتعبت على أولادي ولم أخف من تشوّه وجهي“
أخبرينا أين كنتِ قبل حصول الانفجار؟
صباح ذلك اليوم وكوني أحمل الجنسية البرازيلية، ذهبت إلى السفارة البرازيلية في بيروت لأنهي بعض الأوراق المتعلقة بحصول ولديّ على الجنسية البرازيلية. وكذلك قمت بتسجيل زواجي في السفارة. لدى انتهائي من المعاملات، عدت إلى المنزل حيث قمت بإطعام ولديّ وجلست برفقتهما حوالي 4 ساعات قبل ذهابي بعدها إلى صالون التجميل في منطقة الأشرفية، وفي العادة يبكي ابني آرام كي أصطحبه معي لدى خروجي من المنزل، ولكنه اقتنع هذه المرة بالبقاء في المنزل مع شقيقته آيانا، وكأن قلبي كان يشعر بأن شيئاً ما سيحصل. سمعت أول صوت مدوٍ، فصرخت صاحبة المكان قائلة إنه انفجار. ولكني ظننت أنها هزة أرضية وأخذت الموضوع بمزحة. تقدمت خطوتين ثم ابتعدت قليلاً عن النافذة وبعدها ”انفجرت الدنيا“، طرت من مكاني ولم أعد أستوعب بعدها ما حصل. وأنا الآن أرتجف وأنا أسرد لك ما حدث. فوراً تذكرت ولديّ. وطلبت من الله أن يحميهما وقلت له ولداي بحمايتك سلمتك إياهما، وأنا جاهزة خذني أنا فقط واحمهما وقل لله إذا كانت هذه هي اللحظة التي تريد أن تأخذني فيها، فهيّا خذني.
هل فكرتِ بالموت في تلك اللحظة؟
رأيت الموت لحظتها. وشعرت أن روحي خرجت من جسدي، لا أستطيع أن أصف ما شعرت به ولا كلمات بإمكانها وصف ما جرى. أحسست كأنني لم أعد موجودة على الأرض، وعندما فتحت عينيّ ورأيت أنني لازلت موجودة تفاجأت ولم أستوعب ما جرى. لا أذكر أين وقعتُ وكيف حصل كل ذلك في ثوانٍ. كل ما أعلمه أنه حينما نهضت ووجدت الجميع يصرخ من كل مكان، وبقيت أنا الوحيدة الهادئة بينهم، واستعدت قوامي وقلت بكل هدوء باسم الله الرحمن الرحيم. ثم نظرت إلى نفسي ووجدت الكثير من الدماء التي تسيل مني. كنت حافية القدمين، نظرت إلى كل المشهد أمامي، وسألت نفسي ماذا عليّ فعله، هل أهرب أو أبقى في مكاني ثم فكرت أنه ربما الأفضل أن أبقى حيث أنا.
من كان المنقذ لك بعد وقوع الانفجار؟
الشباب في الصالون لم يتركوني. اتصلت برامي فكان خطه مقفلاً، فاتصلت بالشاب الذي يعمل لدينا فأتى وتوجهنا فوراً إلى المستشفى. كانوا يريدون أن يأخذوني إلى مستشفى في الأشرفية فصرخت وطلبت منهم الذهاب إلى مستشفى قريب من ولديّ، ورفضت البقاء في الأشرفية. وقلت لا سمح الله فإن كان سيحصل شيء جديد، أريد أن أكون إلى جانبهما.
ما أصعب ما عاشته داليدا؟
لحظة دخول المستشفى ومشاهد الضحايا وصراخ الجرحى والدماء التي تسيل، علماً أنني في حياتي لم أقم بغرزة واحدة في جسدي، ولكن جروحي وخضوعي للغرز لم يكونا شيئاً أمام هول ما شاهدته لضحايا الانفجار في المستشفى. الآن هناك حوالي 35 غرزة في يديّ، ويدي اليسرى تأذت أكثر من اليمنى، لاسيما في منطقة الكوع، إضافة إلى 9 غرزات في أنفي و4 في قدمي. كنت حافية القدمين وشكرت الله كيف أن الزجاج المتناثر لم يقطع لي قدميّ، ولغاية الآن لا أعلم كيف نجوت من ذلك.
لحظات الوجع، كيف تسترجعها داليدا الآن؟
وجعي ليس مهماً بقدر الرعب الذي شعرت به على زوجي وولديّ ووالدتي وإخوتي، لست الوحيدة التي عاشت هذا الشعور بل كل لبنان عاش ذلك، حتى من لم يكن موجوداً في قلب هذا الانفجار تأثر فيه. ارتحت لدى رؤيتي لرامي في المستشفى وشعرت بالأمان عندما كان إلى جانبي، وهو كان يحاول أن يخفف عني من جهة، ويساعد من جهة أخرى من هم بحاجة إلى المساعدة، وطيلة الوقت كان يقول لي: ”أنتِ بصحة جيدة“، ولكن أنا كنت أنظر إليه وأجد أن عينيه تقولان شيئاً مغايراً ورأيت ضياعاً وخوفاً لديه. كانت المرة الأولى التي أراه على هذه الحال، فهو حاول تهدئتي واطمأن أن لا مكروهاً أصاب أي أحد قريب منا ومن كانوا برفقتي. وجود رامي لم يكن فقط مهماً بالنسبة لي، بل راح يساعد الأطباء في المستشفى الذين يقومون بتقطيب الأولاد الجرحى ويمسك بأيديهم ليخفف عنهم.
كيف كان اللقاء مع رامي بعد الانفجار؟
كنت أرتدي سروالاً باللون البيج، وعند رؤيته لكمية الدماء التي تسيل مني وغطت ملابسي، خاف عليّ كثيراً واستفسر من الطبيب عن مصدر الدم ومما يحصل لي، الحمد لله على كل شيء. بقينا في المستشفى حوالي 6 ساعات، ولدى عودتي إلى المنزل، اكتشفت أن آرام لم يخلد إلى النوم باكراً كما هي عادته، وكأنه شعر بأن هناك خطباً ما حصل معي، حاولت التهرب والصعود بشكل سريّ إلى غرفة النوم لأبدل ملابسي الملطخة بالدماء كي لا يراني فيها. لم أبكِ أو أتأثر في كل ما حصل، إلا أنني وفي اللحظة التي رأيت فيها ولديّ انفجرت بالبكاء.
ما يؤلمني أنني لم أكن إلى جانبهما عند حدوث الانفجار ولا أعلم بماذا شعرا لحظة وقوعه. فهما صغيران ولا يمكنهما التعبير عن نفسيهما، والحمد لله كانت برفقتهما مدبرة المنزل وعمي، منزلي كله من الزجاج ولكن نحمد الله أنه لم يسقط أو يتكسر.
هل بتِ تخافين اليوم أكثر من أي وقت مضى؟
في أول ليلة نمتها بعد الانفجار في بيروت، كانت مؤلمة وبات لديّ رعب من زجاج المنزل. وفي اليوم التالي، قرّر رامي اصطحابي إلى منزل الجبل، حتى أنني لم أعد أتحمل رؤية أي من ولديّ يجلس إلى جانب نافذة الزجاج وبتّ أصرخ بشكل سريع، وأعلم أن هذا الأمر سيأخذ بعض الوقت كي أستطيع الخروج منه.
هل خافت داليدا أن يتشوه شكلها؟
أبداً، ولم يخطر ببالي هذا الأمر. ولازلت لغاية اليوم لا أعلم إن كان أنفي بحاجة إلى عملية تجميل أم لا لأن لحظة قيام الطبيب بإسعافي ظهر أن الجروح عميقة وأتذكر أنه قال لي: «ربما تحتاجين لاحقاً إلى عملية تجميل»، ولم أكترث لذلك. ومن رأى الموت بعينيه لن يهتم لشكله.
هل شعرت بالخوف على ولديك؟
أكثر مما تتصور. وأنا خلال وجودي في المستشفى قلت لرامي أريد أن آخذ ولديّ وأرحل، لا أريد لهم أن يبقيا هنا. أنا على غرار أي أم أريد دائماً الأفضل لولديّ، وكل أهل يتعبون لأجل مستقبل أبنائهم، وأحمد الله أنني أنا من تأذيت من الانفجار وهما كانا في المنزل. الله يصبّر كل أم خسرت أولادها ولا يوجد كلام يصف هول الخسارة. لا أعلم ماذا سأقول
.
mtv