كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
راجت تجارة بيع الحديد والنحاس هذه الأيام مع إرتفاع سعر صرف الدولار وحلّقت أسعارهما معه، وأصبحت عمل من لا عمل لهم، يجوبون الطرقات والشوارع بحثاً عنها، ومنهم من يجول بمكبّرات الصوت للشراء، وآخرون يسرقون من الأملاك العامة والخاصة ويبيعونها في السوق السوداء من دون رقيب أو حسيب.
منذ ثلاثة أشهر يشاهد أهالي مدينة بعلبك السحب الدخانية ترتفع في سماء المدينة من الجهة الشرقية للجرود في محلة عمشكة، وترى كثافتها بالرغم من بعد المسافة، وكأنّها أشبه بدخانٍ يتصاعد من إنفجار ضخم ليتبين أنها ناتجة عن قيام مجموعة من الأشخاص بحرق المئات من إطارات السيارات المطاطية لإستخراج الحديد الذي تحتويه وبيعها إلى تجار الخردة. تجارةٌ إمتهنها البعض لتحقيق الأرباح غير آبهين بصحة الناس والأذى الذي يلحق بالطبيعة والمياه. فالدخان المتصاعد يحمل الكثير من المواد السامة والخطرة التي تؤثّر على صحة الناس وخصوصاً على مرضى الرئة ومن يواجهون صعوبةً في التنفّس، حيث يعاني جيران المنطقة من الأمر، إضافةً إلى بقاء الدخان في الجو لساعات، قبل أن يعود إلى الأرض، ما يتسبّب بضرر بيئي في التربة والمياه الجوفية وخاصة مياه بركة رأس العين (البياضة) التي تغذّي بساتين بعلبك.
وفي متابعة للقضية، وجه محافظ بعلبك الهرمل كتاباً إلى قيادة قوى الأمن الداخلي في المنطقة طالباً إجراء التحقيق وإتخاذ المقتضى بحقّ الفاعلين وتكثيف الدوريات في المحلة التي يصار فيها إحراق الإطارات، وذلك بعد ورود معلومات وشكاوى إلى المحافظة عن قيام بعض الأشخاص بتجميع الإطارات وإحراقها في محلة عمشكة للإستفادة من الأسلاك النحاسية الموجودة فيها، ما يسبّب ضرراً بالبيئة والهواء والصحة العامة، ويؤثّر على حوض رأس العين والمياه الجوفية. إحراق الإطارات تلاقيه عمليات السرقة التي تتعرّض لها المقتنيات الحديدية والأملاك العامة، حيث شهدت مدينة بعلبك والطريق الدولية سرقة أغطية الريغارات وأغطية أقنية تصريف المياه، وأصبحت مصيدةً وفخّاً للسيارات التي لا تشاهدها وتقع فيها ما يسبّب لها اضراراً جسيمة يعجز أصحابها عن إصلاحها في ظلّ غلاء أسعار قطع الغيار، ناهيك عن سرقة سكك الحديد والأعمدة الكهربائية، حيث أوقف الجيش اللبناني أواخر الشهر الماضي شاحنة على حاجز حربتا قضاء بعلبك محمّلة بكمّية من القطع المسروقة من سكة الحديد، وداهم منازل سوريين يشكّلون عصابة سرقة اعمدة كهربائية وأغطية ريغارات واسلاك كهربائية.
يجول عادل النعسان بسيارته نوع “بيك آب” يومياً بين الحارات وعلى القرى والبلدات منادياً عبر مكبّر للصوت: “يلي عندو حديد للبيع، بطاريات سيارات، نحاس، برادات”، وغيرها من الأدوات التي تحتوي على مواد يمكن أن يستفيد منها ويبيعها، ويشير في حديث لـ”نداء الوطن” الى أنه يعمل في مهنته منذ أكثر من عشر سنوات، و”هي مهنة كانت قليلة جداً ولا يعمل بها إلا السوريون، ولكنّها راجت اليوم والكلّ يعمل بها، فالأرباح التي تحقّقها مع إرتفاع الدولار كبيرة وأسعار الحديد والنحاس غالية”، مضيفاً أنّه يجمع ما يشتريه من الناس ويبيعه إلى “بورة الخردة” (مكان يجمع فيه النحاس والحديد للتجميع والكبس) وهو يحقّق ربحاً ليس بكبير وِفق قوله، فالأرباح يحققها أصحاب البور التي إنتشرت بشكل كبير خلال الأزمة بترخيص ومن دون ترخيص وبين المنازل وعلى الطرقات العامة. وهل يشتري بضائع مسروقة من دون علمه يجيب بأنّه يشتري من الناس وهم يجمعونها من بيوتهم، أما السارقون فهم يبيعون إلى تجار الجملة، وِفق قوله.
وفي القرى نشطت خلال الآونة الأخيرة عملية جمع الخردة، وعلى مدى أيام لم تتعب أقدام رياض إبن الخمسين عاماً من التجوال في إحدى قرى بلدات شرقي بعلبك، يحمل كيساً على ظهره يجمع فيه ما تيسّر من حديد وعبوات المشروبات الغازية يومياً، يجمعها في المنزل حتى تصبح الكمية “محرزة” ليرسلها مع شقيقه إلى بعلبك ليبيعها ويشتري بثمنها حاجاته، وهو غير متزوّج ويقطن مع عائلته ويعاني مرضاً أفقده التركيز، وفيما كان يعمل في الرعي والأرض إمتهن هذا العمل أياماً عدة حتى نفد الحديد وما شابه من محيط القرية التي يقطنها.