قضية الطعم المزور تتفاعل.. اتجاه الى لفلفة الموضوع
كتبت “نداء الوطن” أن “تتلفلف” قضيّة وتُطوى وكأن شيئاً لم يكن فهذه جريمة. وأن يتحوّل الجرم الى وجهة نظر من معنيين في الشأن العام فهذا جرم آخر! هناك، في مدينة البترون الجميلة، قبحٌ أخذ مداه وتمثل بلفلفة جريمة تحت حجة أن أدواتها مجرد حقنة “ميّ وملح” والملح والمياه لا يؤذيان! فهل انتهى جرم ضخّ اللقاح المزيف في مستشفى البترون عند هذه النقطة؟ ومن هو “الوالي” الذي يقف وراء لفلفة جريمة موصوفة تسقط فيها، لو جرت في غير لبنان، رؤوس كبيرة؟
“لا، لن نقبل بطيّ هذه القضية”. هذا ما جزم به شارل خوري (قريب الدكتور جورج طنوس الذي اتهمته من اقترفت الجرم سيلين زكريا بتقاضي المال لقاء مساعدتها قبل أن تعود وتتراجع). والحلّ؟ يجيب خوري “ما استخلصناه هو أن هناك إما متورطين أو من يغضون الطرف من أجل حسابات خاصة أو من تعرضوا الى ضغوطات ما كي لا يتقدموا بدعاوى. لذا سنقوم نحن، شباب البترون، بتحرك أمام المستشفى نطالب فيه الأجهزة الامنية والقضائية بالتحرك”.
النيابة العامة لم تتحرك. مدير مستشفى البترون الدكتور أيوب مخباط لم يتقدم بأي دعوى، لا بل أكثر من كل ذلك، حين راجعه أحد أطباء المستشفى في الموضوع أجاب: حصل ما حصل خارج المستشفى، في الكافيتريا، ولا علاقة لنا بما يحصل فيها. وحين سُئل عن كيفية حصول المتهمة على العبوات الفارغة أقفل الخط.
الدكتور عارف ضاهر، أحد الأعمدة سابقاً في المستشفى، يخشى هو أيضاً من “لفلفة” قضية الطعم المزور ويقول “هناك تقصير وغضّ نظر واضحان. ويجب عدم السماح مطلقاً بالتدخلات السياسية وتأمين غطاء لأي شخص”.
وكأننا ندور في حلقة مفرغة. كلهم ضدّ “اللفلفة” والجرم يكاد يصبح وراء الجميع! فهل هناك من هو أقوى منهم جميعاً؟ المتهمون حتى إشعار آخر (سيلين وشقيقها سيزار المسؤول عن المختبر ووالدتها مستثمرة الكافيتريا) أقفلوا صفحاتهم الخاصة على “السوشيل ميديا” وأخذوا الفرص السنوية. وكأن هناك من همس في آذانهم: إبتعدوا حالياً عن المستشفى الى ما بعد عيد الأضحى أو ربما أكثر بأسبوع بعده. والأيام كفيلة بجعل ما اقترفتموه يُنتسى. هكذا “تلفلف” القضايا في لبنان.
الكلام كثير. الخوف على مستشفى البترون كبير. وشعور يطغى بأن هناك من يلعب بالناس كما لو كانوا كرة في ملعب تنس. فمن يجرؤ أن يزوّر لقاحاً في زمن نحن في أشدّ الخوف فيه من تفشي جائحة فهو إما غبي أو مجرم أو مدعوم. وما فاجأ الأهالي أكثر من كل ذلك قول رئيس بلدية أميون أن “لا أحد تضرر فاللقاح المزور من المياه والملح” وبالتالي الموضوع “ما بيحرز”. فهل هذا معناه أن ننسى ونقلب الصفحة؟ وهل صحيح ما يتم تناقله أن من لقحوا “بالمياه والملح” في كافيتريا مستشفى البترون أخذوا من أحد فاعليات القضاء الى جامعة البلمند ولُقحوا هناك من جديد وطُلب منهم “الصمت”؟
صحيح أن اللقاح “ميّ وملح” ولا يؤذي لكن ماذا لو أصيب من ظنّ أنه أصبح يملك مناعة جراء اللقاح بالفيروس ومات؟ أليست هذه مسؤولية؟ وهل سأل مدير المستشفى نفسه من أين أتت من زورت اللقاح بالعبوات الفارغة؟ ماذا عن النفايات الطبية في المستشفى؟ أين تُرمى؟ وهل تعيين ثلاثة أفراد من عائلة واحدة في ثلاثة أقسام في المستشفى حصل صدفة أم أن “الوالي” أمر بتعيينهم؟ ماذا عن تقرير وزارة الصحة؟ اين أصبح؟ وهل هي الجهة المولجة بالتحقيق في جريمة موصوفة؟ وأين رئيس لجنة التطعيم في لبنان الدكتور عبد الرحمن البزري من كل ما يجري؟ وأين التفتيش المركزي الذي يفتخر رئيسه جورج عطيه بأدائه؟ وأين من تلقوا اللقاحات؟ هل يخافون؟ هل هم جبناء؟ هل حصلوا على مكاسب لاحقة ليصمتوا؟ أليس بينهم رجال ونساء قادرون على المطالبة بحقوقهم؟ غريب عجيب هو ما رأيناه في قضية البترون. والأسوأ أن جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر ونائب البترون، لم يطلّ على البترونيين كي يقول: آسف لما حصل وأتبرأ مما فعلوه “زِلمي” أو على الأقل من اعتبروا “زلمي” وأنا براء منهم.
المحسوبيات السياسية تدخل بالطول والعرض في قضية بحاجة بالفعل الى “إصلاح وتغيير” لا الى مجرد شعارات واهية. هي قضية لا يكفي فيها أن تقول “المقترفة”: “ما بقا عيدا”. ولا يكفي أيضاً أن يقول المستشفى “لا علاقة لي بما حصل”. وأن تقول القوى الأمنية المولجة “لم يتقدم أحد ذو صفة بدعوى في الموضوع”. بلى، هناك دعوى وهناك بدل الإخبار الواحد إخبارات. والقضية ستبقى مفتوحة وفاعليات بترونية ستعلن قريباً التحرك لأن الصمت ما عاد يجدي ولا يجلب سوى مزيد من الفساد. فلننتظر ونرَ.