خطر انفجار حقيقي… ونقيب المستشفيات يحذّر
كتبت تالا غمراوي في “أساس ميديا”:
هل يصبح الاستشفاء في لبنان للأغنياء فقط؟ هل نشهد إقفالاً لبعض المستشفيات بعد توقّف عدد منها عن إجراء العمليّات الجراحية؟ إثر الحديث عن تعطّل معدّات ليس في مقدور المستشفيات إصلاحها لأنّها “غير مدعومة” بالدولار “الفريش”، وتكلفة صيانتها تبلغ عشرات آلاف الدولارات.
سلسلة أسئلة “مصيرية” بالنسبة إلى الجسم الطبي والأمن الصحّي في لبنان، فيما يتصرّف المسؤولون في الوزارات المعنية بمنطق “الترقيع” والمعالجات السطحيّة.
يرفع نقيب المستشفيات الخاصّة الدكتور سليمان هارون الصوت، محذّراً من خطورة الوضع ومن أنّه قد يؤدي إلى انفجار حقيقي. وأكّد في حديث لـ”أساس” أن “لا حلّ للمشاكل التي لا يعانيها القطاع الصحي وحده، بل لبنان كلّه. فالبلد مفلس، بلغ فيه الحد الأدنى للأجور 1.5 دولار باليوم. أصبحنا من بين أفقر 5 دول في العالم. المستشفيات في حالة شبه إقفال أو إقفال جزئي. والتعرفة المرتفعة هي الخطر الأكبر حالياً على المريض الذي رفع صوته أخيراً يشكو من زيادة بعض المستشفيات تعرفتها، فتكرّرت المشكلات بين المرضى والمستشفيات”.
تعرفة وزارة الصحة والصراع حولها
“لم تعد المستشفيات قادرة على الاستمرار”، يقول هارون: “الاستشفاء سيكون مُتاحاً للأغنياء فقط إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه. التعرفة التي تحدّدها وزارة الصحة قد وُضعت منذ 20 عاماً بناءً على دراسة مشتركة بين الوزارة والبنك الدولي، ولم يطرأ عليها أيّ تغيير يلحظ التضخم الذي تراكم مع مرور الوق. لكنّها اليوم لم تعد مقبولة بأيّ شكل من الأشكال مع تراجع قيمة الليرة اللبنانيّة وفقدانها أكثر من 80 % من قيمتها. وعلى سبيل المثال، تعرفة غرفة المستشفى هي 90 ألف ليرة، أي 60 دولاراً على سعر صرف الدولار الرسمي (1515 ليرة)، فيما القيمة الحقيقية لا تتجاوز 8 دولارات (سعر السوق السوداء تجاوز 12 ألفاً)، وتعرفة الولادة محدّدة بـ300 ألف، كانت تساوي 200 دولار أميركي، وهي الآن لا تتجاوز 27 دولاراً”.
وسأل هارون: “كيف يمكن لهذه التعريفات أن تغطي تكاليف المستشفى التي ارتفعت بمجملها، من دون احتساب الأجور؟ فالمستشفيات تدفع تكلفة الصيانة والأكل والتنظيف والتعقيم والفندقية وجزءاً من المستلزمات الطبية على أساس سعر صرف الدولار في السوق السوداء. وانطلاقاً من هذا الواقع، أنجزت نقابة المستشفيات الخاصة دراسة مفصّلة قدّمتها إلى الجهات المعنيّة، تقارن التكاليف مع التعرفة على أساس ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة، فتبيّن أنه إذا كان الدولار يساوي 9500 ليرة، فسيكون الدولار الاستشفائي بـ4500 ليرة، أي نحو النصف، فتكون المستشفيات الخاصة في حاجة إلى رفع التعرفة الاستشفائية بنحو ثلاثة أضعاف حتى تستطيع الاستمرار”.
وتحدّث هارون عن واقع صحّي مهدّد بالانهيار بسبب الإفلاس، وعن غياب الحلول في الوقت الحالي، قائلاً إنّه “لا يمكن الجهات الضامنة رفع التعرفة لأنّ ذلك يعرّضها للإفلاس، ومن الصعب تحميل الفرق للمواطن اللبناني الذي لم يعُد يدخل المستشفيات إلّا في الحالات الصحية الملحّة، فكيف يكون الحال إذا رُفعت التعرفة؟”. ويضيف: “القطاع الصحّي يتّجه من السيّء إلى الأسوأ، والمستشفيات اليوم لا تعرف أيّ أسس تتّبع في تحديد تعرفتها، وتسودها فوضى في التسعير لا يمكن تنظيمها”.
وعن طلب بعض المستشفيات من المرضى دفع تأمين قبل دخول المستشفى، أكّد النقيب أنه سمع شكاوى من مواطنين ومن الضمان الاجتماعي ومن وزارة الصحة العامة: “تواصل الضمان الاجتماعي مع المستشفيات الخاصة، وهو يأخذ الإجراءات المناسبة كيلا تكون المبالغ المطلوبة غير منطقية، لكن تبقى بعض الفروقات المنطقية. أمّا نحن في المستشفيات الخاصة فلن نترك المريض يتعرض لخطرٍ بسبب ضعف الإمكانات المادية للمرضى”.
التوقّف عن إجراء العمليّات
لفت هارون إلى الكلفة المرتفعة لبعض العمليات تجبر المستشفيات على تأجيلها. مثل عملية الركبة الاصطناعية وغيرها: “نجبر المريض على تحمّل الألم لأنّ المستشفى غير قادر على إيجاد المعدّات والمستلزمات الطبية اللازمة، ولا المريض قادر على أن يدفع الكلفة الباهظة، بالإضافة إلى أدوية لا يمكن أن نستحصل عليها. مثال على ذلك جهاز CT scan، حيث الأنبوب الذي يعطي أشعة X- Ray يتراوح سعره ما بين 70 و80 ألف دولار. أي أنّنا نحتاج ما يقارب مليار ليرة لبنانية من أجل إصلاح هذا الجهاز. وبدأت أجهزة البنج تتعطّل داخل غرف العمليات في بعض المستشفيات، العاجزة عن استبدالها لأنّ قطع الغيار غير مدعومة. وهذا الأمر خطير جداً”.
لكن ما هي الحلول المطلوبة؟
“المعنيّون بمعالجة الأزمة ما زالوا يتصارعون على الحقائب الوزارية. ومهما بحثنا عن حلّ فلن نجده إلا من خلال تشكيل حكومة جديدة قادرة على المفاوضة والاستحصال على القروض الدولية لكي يقف البلد على قدميه”.
خطّة التلقيح وتراجع الإصابات
وإذ يطمئن هارون إلى “انخفاض بسيط في نسبة الإصابات الجديدة بفيروس كورونا”، يلفت إلى “خطورة الفيروس وتحوّره” وإلى أنّ “معظم المصابين الذين يصلون إلى المستشفيات تكون حالتهم حرجة، لأنّ الفقر يدفع الناس إلى الإعراض عن التوجّه إلى المستشفيات إلا عندما تتدهور صحتهم بشكل كبير”.
وختم كلامه مؤكّداً: “نحن في وضع خطير جداً، وإن استمرّينا على هذا المنوال فستنخفض القدرة الطبية في لبنان انخفاضاً أكبر بكثير”.