موجة “كورونا” الجديدة تقترب… وأسباب الوفيات مجهولة
كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
قليلون هم من أخذوا الجرعتين من لقاح “فايزر” الأميركي حتى الآن. وأكثر منهم بقليل من أخذوا جرعة واحدة فقط. فهل هؤلاء القلة والأكثر بقليل محظوظون لأن “فايزر” نصيبهم؟ وماذا عن القلق من أخذ لقاح أسترازينيكا الواصل قريباً؟ هل هو خطير؟ كثير من اللبنانيين يتهامسون: لن نأخذه. فالموت بـ”كورونا” أفضل من الموت بخثرة دم. لكن، هل هذا بالفعل أفضل؟ هل ثبت أن لقاحاً أفضل من لقاح؟ وهل البقاء بلا لقاح بينما العالم يستعدّ لحلول موجة “كورونا” الثالثة بالفعل أفضل؟ ممثل الإتحاد الأفريقي للرعاية الصحية، اللبناني أصلاً وفصلاً، الموجود حالياً في زامبيا الدكتور محمد الساحلي يملك الكثير من التفاصيل:
بين السوبرماركت والمستشفيات يهرول اللبنانيون هائمين يتلوون خوفاً وتوجّساً ورغبةً في تلمّس بعض “الفرج”. منهم من يأخذ جرعة لقاح فيبتسم ومنهم من يحصل على كيس حليب فيفرح.
ها نحن في مستشفى القديس جاورجيوس. مسنون ومسنّات يُمسكون صوَر القديسين والمسبحة ويصلّون. بعضهم “ع الدقة ونص” وبعضهم أتوا على كراسٍ متحركة، بعدما تناولوا حبتي”بنادول” على صحة السلامة من أجل تحاشي ارتفاع حرارتهم بعد اللقاح. زحمة شديدة على الرغم من كل النظام الذي فرضه مستشفى القديس جاورجيوس منذ اليوم الأول لبدءِ إعطاء اللقاح. “فالوزارة (وزارة الصحة) كما تناقل الحاضرون الخبر: أعطت مئات الأشخاص مواعيد لقاح في ساعة واحدة. وعبثاً حاول المستشفى إعادة توزيعهم من خلال رسائل “أس أم أس” أخرى، تبعت رسائل المنصة، على مدار النهار. “ستّات الأشرفية” ما زلن على الرغمِ من كل التفاصيل القبيحة التي أصابت البلاد والعباد في عشرين شهراً “مزنطرات”.
وهنّ يصببنَ جام غضبهن على الوزارة التي أخطأت مرة جديدة في تحديد المواعيد. الدكتور عيد عازار ينغلُ بين المسنين، يطمئن، يساعد، ويجيب على كل الأسئلة. عصام أبو جمرا، اللواء المتقاعد في الجيش اللبناني، نائب رئيس الحكومة الإنتقالية (الثلاثية) بين العامين 1988 و1990 التي رأسها الجنرال ميشال عون، ينتظر دوره بين الحشود. المسنّون حظهم جيّد فهم يأخذون لقاح فايزر، الذي يثق به اللبنانيون أكثر من أي لقاح آخر. في حين يخشى من أُدرجوا في القسم الثاني من مستحقي اللقاح من أسترازينيكا الآتي على بساط منصة كوفاكس.
يأخذون اللقاح أم لا؟ وزارة العدل طلبت من موظفيها تسجيل أسمائهم و90 في المئة منهم أعلنوا: لا، لن نأخذه. فهل بات صعباً إقناع الناس أن اللقاح يستمر مجدياً على الرغم من كل المعلومات النقيضة؟
الموافقة على 11 لقاحاً
إختصاصي التخدير والإنعاش ومالك مستشفى “ميد لاند” في زامبيا الدكتور محمد الساحلي يتحدث عن سبعة لقاحات تعتمد حالياً في العالم ضدّ “كورونا”، في حين هناك فعليا 11 لقاحاً على الأقل تمت الموافقة المبدئية عليها في دولة على الأقل في العالم، وبينها لقاح “كانسيتو” الصيني الذي وافقت السلطات الباكستانية عليه، وهو من جرعة واحدة. ويقول إن في الصين أربعة لقاحات بينها: سينوفاك وسينوفارم. وفي الهند هناك لقاح “بارات بايوتيك”، وفي روسيا يعتمد لقاحان: “غاماليا” للبيولوجيا المجهرية المعروف باسم “سبوتنيك V” ولقاح “فكتور إنستيتيوت”، وهناك اللقاح الإنكليزي- السويدي أسترازينيكا وهناك في الولايات المتحدة الأميركية أربعة لقاحات: جونسون أند جونسون، نوفاكس، موديرنا، وفايزر الذي هو أميركي- ألماني”.
والسؤال، هل يعتقد الطبيب اللبناني في زامبيا أن أسترازينيكا خطير يتسبب بتخثرات في الدم؟ يجيب: “لا دراسات كافية حتى الآن. ويستطرد بالقول: عدد من أُعلن إصابتهم بتخثر في الدم قليل لكن لا يمكن علمياً إهمال الموضوع، لكن، لا يُعرف بعد عن حالة هؤلاء قبيل أخذهم اللقاح. وهل إصابتهم ناتجة عن مشاكل مفاجئة. يجب دراسة هذه الملفات. مع العلم أن الفارق بين لقاحي فايزر وأسترازينيكا أن الأول قد لا تظهر مشاكله بسرعة، كونه لقاحاً ميتاً، في حين أنهم يعملون في أسترازينيكا على لقاح حيّ معدّل ما قد يؤدي الى نتائج سريعة وردة فعل مباشرة. لهذا يُصاب كثيرون ممن يأخذونه برشحٍ مباشر. وهذا ليس عارضاً جانبياً بل طبيعياً لمن أخذ فيروساً حيّاً”.
لا أحد يستطيع أن يُحدد أخطار أسترازينيكا بلا دراسة عميقة. مع العلم، بحسب الساحلي، أن الأوروبيين سبق وقالوا قبل إعلان الآثار الجانبية أنهم لن يستوردوا هذا اللقاح بسبب الجمرك عليه وخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي. أما في ما يخص لبنان فيفترض بحسب الطبيب “أن تضع الدولة قواعد إرشادية guidelines فتجري فحص “PCR” لزاماً قبل يوم من تحديد موعد اللقاح، للتأكد من عدم إصابة من سيخضع للقاح، بـ”كورونا”، أو من عدم إصابته به بوقت قصير، لأننا جميعاً بتنا نعرف أن “كورونا” قد يتسبب بتخثرات في الدم. وتكون الآثار الجانبية ناتجة عن الإصابة لا عن اللقاح. ويفترض بلبنان، في الوقت المنظور، أن يثبت تحديد الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في القلب وفي الشرايين لتفادي أي إمكان لإصابتهم بجلطات، إذا ثبت لاحقاً أن لقاح أسترازينيكا قد يتسبب فعلاً بها. ما عدا ذلك، يفترض بالمواطنين أخذ أي لقاح متاح يقدم إليهم لأن مضاعفات الإصابة بـ”كورونا” تكون غالباً كبيرة، خصوصاً على من يعانون من مشاكل في القلب”.
لبنان يتريث
ملايين البشر حصلوا على لقاح أسترازينيكا. والوكالة الأوروبية للأدوية مقتنعة “تماماً” بفوائد هذا اللقاح. ولبنان يتريث قبيل القرار النهائي في شأن إستخدام اللقاح. لكن ماذا بعد؟ نأخذ أو لا نأخذ هذا اللقاح؟ يُنصح في الفترة المقبلة بعدم إعطاء هذا اللقاح تحديداً الى من يعانون أساساً من مشاكل تخثر في الدم أو إلى من لا يتحركون كثيراً وإلى من لديهم وزن إضافي. لكن، الثابت، بالنسبة الى الطبيب الساحلي، لن يصدر قرار بمنع هذا اللقاح كلياً خصوصاً أن العالم يتوقع حالياً موجة جديدة من تفشي الوباء. ومعلوم أن التلقيح به أكثر سهولة من سواه لسهولة تخزينه ونقله وبالتالي نسبة تلفه أقل من سواه كما أن سعره أقل.
نحتاج الى شرحٍ علميّ أدق، ودائماً بحسب الطبيب اللبناني في زامبيا، “أن ما لا ينتبه إليه كثيرون هو أن المعلومات عن مضاعفات لقاحي “فايزر” و”موديرنا” قليلة أما “أسترازينيكا” فإمكانية إلتقاط أعراضه أسهل لأنها أسرع، كونه لقاحاً حيّاً، فهذا اللقاح البريطاني مثل لقاحات “الكريب” نتائجه سريعة ويؤدي غالباً الى ظهور ارتفاع في الحرارة في حين أن لا أحد يستطيع حالياً تحديد أضرار لقاح “فايزر”. العلم إذاً، يعرف عن “أسترازينيكا” أكثر مما يعرف عن “فايزر” و”موديرنا”. فمن يأخذون الأول قد ينشرون على “تويتر” أنه تسبب لهم بزكام أو أنفلونزا أو يرجحون أنه أدى الى تخثر في الدم، في حين أن الشركتين اللتين أنتجتا الثاني والثالث فطلبتا ممن ظهرت لديهم مضاعفات تسجيلها على المنصة، ولا يمكن لأي طرف غيرهما معرفة نوعية المضاعفات.
فالمختبرات الخاصة بهما وحدها من تأخذ ما سُجّل وتجمعها وتتعامل معها. وهي قالت أنها لن تعلن عن هذه المضاعفات الآن. فقد يظهر بعد حين أن لقاح “فايزر” مثلاً قد تسبب بمشاكل في الكلى لن يشعر بها الإنسان الذي تلقاه إلا بعد حين. لهذا كله لا داعي للهلع من لقاح أسترازينيكا واعتباره الأسوأ. وأي معلومات مثبتة يفترض أن تنطلق من معطيات علمية دقيقة جداً. وفي هذا الإطار يعلق الساحلي: نحن لا يمكننا في لبنان أن نقول أن فرنسا علّقت العمل بلقاح أسترازينيكا وعلينا بدورنا أن نحذو حذوها. فالديموغرافيا تختلف بين لبنان وفرنسا. وعلينا في لبنان أن نقرر إستناداً الى “الداتا” والمعلومات الصحيّة التي نملكها. وإعطاء اللقاح الى من ليس لديهم مشاكل تخثرات في الدم أو مشاكل أخرى قد تعزز حصول هذا التخثر، لا أن نمتنع كلياً عن أخذه إذا قالت منظمة الصحة العالمية أنه آمن”.
ماذا عن لقاح سبوتنيك الروسي؟
لم يتبيّن حتى الآن ظهور أي مضاعفات معلنة حول هذا اللقاح لكن ما يعرف عنه أن نسبة المناعة التي يحققها هي 91 في المئة ويمكن أن تنخفض مع المتحورات الى 70 في المئة، وهو مثل أسترازينيكا يستخدم الفيروس الحيّ. والبرازيل حصلت على 10 ملايين لقاح منه والعوارض ليست أكثر من عوارض كريب. وتقوم الأرجنتين والهند في تصنيعه الآن. ويعلق الساحلي: أنا مع أخذ أي لقاح متوافر.
ننتقل الى اللقاحات الصينية، حيث نال سينوفارم “رهجة” إعلامية أكثر من سينوفاك. ويُردّ السبب الى أن إمارة أبو ظبي أجرت تجارب عالية عليه لذا اعتبر أكثر أماناً من سواه. وهذا اللقاح هو الذي يعتمد حالياً هناك. في حين تستخدم إمارة دبي فايزر. ويقول الساحلي: سينوفارم جيّد أيضاً ويستخدم فيه فيروس معطل، لكن المناعة التي يُشكلها تتراوح بين 50 و 70 في المئة لذا يُحبّذ إعطاؤه الى الشريحة العمرية التي تتراوح بين 26 و 45 سنة، لأن أفراد هذه الشريحة يتمتعون ببنية أقوى من سواهم ومناعة أعلى فإذا أصيبوا بالفيروس تساهم المناعة التي اكتسبوها من اللقاح مع مناعتهم الذاتية في منع تطور الإصابة”.
مجتمع أفريقي شاب
سؤالٌ آخر يلحّ هنا: ما السبب يا ترى في أننا لم نسمع عن مشاكل كورونية كبيرة في أفريقيا كالتي حصلت في أوروبا وأميركا؟ يجيب صاحب مستشفى “ميد لاند” في زامبيا: “تمر حالياً أيام تكون فيها نسبة الإصابات في الفحوص صفر في المئة ونعزو ذلك لأسباب عدة بينها أن الفيروس تأخر وصوله الى أفريقيا ما سمح للأفارقة بالتعلم مما حصل في اوروبا وأميركا. كما أن المجتمع الأفريقي هو فتي يافع ومتوسط عمر الإنسان هناك 40 عاماً. فالناس تموت بغالبيتها قبل سن الستين بسبب أمراض كثيرة أخرى. وفي هذه المنطقة تكثر حالات الملاريا والسيدا والعلاج يكون بتناول مضادات فيروسية متنوعة. ومعلوم ان العالم حاول ان يعالج حالات الكوفيد بأدوية تعطى للمصابين بالملاريا. وهذا يجعلنا نظن أن الأدوية التي تعطى هنا كان لها تأثير إيجابي في عدم تطور الفيروس”.
هناك أمر آخر يتحدث عنه الدكتور الساحلي وفيه “أن لا “زعبرة” في الفحوصات في دول أفريقية كثيرة”. ماذا يقصد بكلمة “زعبرة”؟ يجيب: “معلوم أنه من اجل الإسراع في إعطاء نتائج الفحوصات توضع كل خمس عيّنات معاً في أنبوب واحد. وهذا ما يحصل عادة في زمن الأوبئة. وهذا ما يُسمى pulling فإذا ظهرت النتيجة “نيغاتيف” اعتبرت الفحوصات الخمسة “سلبية” أما إذا أتت نتيجة الأنبوب الثاني، الذي يتشكل من خمس عينات “بوزيتيف” فتعتبر إيجابية مع العلم أن عينة واحدة منها قد تكون بالفعل إيجابية. للأسف، حصل خلط لهذه الناحية في مناطق ومختبرات في لبنان، بدافع تسريع الفحوصات، وهو ما يُبيّن أسباب ظهور نتيجة بعض عينات الأفراد التي ظهرت في مختبرات محددة “بوزيتيف” وسلبية في مختبرات أخرى”.
وماذا عن تزايد أعداد الوفيات في لبنان؟
يجيب الساحلي: “هنا في زامبيا يميزون بين من ماتوا بسبب كورونا ومن ماتوا نتيجة اشتراكات سببها فيروس كورونا. بينما في لبنان فلا يحددون سبب الوفيات. ومعلوم أن الشباب الرياضيين الذين يأخذون مواد استيرويدية في النوادي الرياضية قد تتسبب في تطور الفيروس ووفاتهم من دون أن يُحدد هذا السبب في لبنان. وهذه من مسؤوليات السياسة الصحية في لبنان من أجل بثّ التوعية.
ها نحن أمام موجة جديدة مرتقبة يتحضّر لها كل العالم فلماذا الخوف أن تأتي أقوى وأشد من سابقاتها؟ يجيب الساحلي: “الخوف يتأتى من أننا لا نعرف مدى تفاعل اللقاحات التي منحت مع الفيروس المستجد. والتجارب المقبلة ستُظهر فعالية ما حدث حتى الآن. وهذه الموجة الجديدة ستأتي بعد أن أعاد العالم فتح اقتصاده. وطبيعي أن تعتبر الموجة الجديدة وكأنها أولى لأنها ستضرب عالماً من ثلاثة أقسام: أناس لقحوا. وأناس سبق وأصيبوا. وأناس لم يلقحوا بعد ولم يصابوا. لهذا يعتبر التجاوب مع الموجة الجديدة شبه مجهول”.
نحن أمام موجة جديدة من فيروس كورونا تقترب. الخوف العالمي منها كبير. ولبنان، المثقل بألف أزمة وأزمة، يبدو وكأنه لم يتعلّم مما سبق وحدث في كل الأزمات. فهل سنشهد قريباً ما سبق وشهدناه بين “الكانونين”؟ الإجابة يُحددها المستقبل القريب.