كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
لم تتوقّف قصة التخزين عند هذا الحدّ، بل سلك الدواء هذا الدرب خصوصاً مع تصريح حاكم مصرف لبنان منذ شهرين ان الدعم سيرفع عن المواد الأساسية لا سيما الدواء والطحين والمحروقات. فراح الناس يغزون الصيدليات في محاولة لشراء أكبر كمية ممكنة من الدواء خشية من ارتفاع سعرها من جهة وفقدانها من الأسواق من جهة أخرى ولو ان الجنيريك متوفّر وبسعر أقلّ.
وتزامناً مع كل تلك المراحل التي كانت تتسارع في فترة عام، كان التهريب ناشطاً بقوّة على كل السلع خصوصاً المدعومة منها، التي بتنا نراها من خلال وسائل التواصل الإجتماعي على رفوف المحال التجارية في الخارج للسلع الغذائية، وأخيراً منذ نحو 10 أيام وصل الدواء الى كنشاسا الذي جاءت تسعيرته بالليرة اللبنانية.
وهنا بدأت التحقيقات لمعرفة الجهة المهرّبة للدواء أو لتواجده في الخارج. فالتهريب إستناداً الى نقيب مستوردي الادوية كريم جبارة يتمّ كما أوضح لـ”نداء الوطن”، “عبر المعابر لا سيما مطار رفيق الحريري وعملية ضبطه سهلة في ما لو حسمت القوى الأمنية أمرها وضربت بيد من حديد”. وعمليات ضبط بعض المهرّبين أثبتت ان عدداً منهم يستحوذ على الدواء المدعوم من الصيدليات، لكن ماذا عما يتردد أن المستورد قد يكون له دور في التهريب؟
في هذا السياق يوضح جبارة أن وزارة الصحّة، “وهي مرجعنا فضلاً عن القضاء طبعاً”، تحقّقت من هذا الأمر وتبيّن لها أن المستورد يبيع الدواء بطريقة عادلة، ويوزّعه بالتساوي على كل الصيدليات. صحيح أن الطلبيات ارتفع عددها إلا أنها توزّعت بالتساوي وبالتالي لا يوجد أي شكّ بأن المستورد يبيع كميات كبيرة بهدف تهريبها”. وبذلك المهرّب على الأرجح هو من يقوم بشكل فردي بالإستحصال على الدواء من الصيدليات، وتوضيبها في حقيبة بهدف تهريبها الى خارج البلاد، وأخذها من درب اللبناني المعوز لحبة الدواء. والدليل على ذلك هو القبض على إحدى شبكات التهريب كانت متوجهة الى مصر وفي حوزتها مئات العلب من الأدوية في المطار، وخلال التحقيق أقرّ أفرادها انهم حصلوا على الأدوية المهرّبة من الصيدليات.
واعتبر أن “محاولة التسويق من بعض الأوساط أن للمستورد يداً في التهريب، هو من باب تضليل التحقيق وصرف النظر عن الشبكات الحقيقية التي هي وراء ذلك، وتوجيه أصابع الإتهام الى جهات ليس لها علاقة بالموضوع أبداً”.
التهريب خطّ أحمر
وبالنسبة الى وصول الدواء الى كنشاسا في الكونغو ومدوّن عليه السعر بالليرة اللبنانية، في حين أن المسكّنات باتت مفقودة لدينا في الصيدليات، أشار جبارة الى أنه “لو كان المستورد هو من يخالف القوانين أو حتى لديه نية التهريب الى الخارج، لما ترك اسمه مدوّناً مع السعر بالليرة اللبنانية ورقم ترشيد الدواء على العلب المهرّبة”.
ورأى أنه “بدل أن تكون المداهمات على مستودعات أحدهم، ادويته وجدت في كنشاسا، فلتتفعّل الرقابة على المعابر الحدودية، ويستدعي ذلك اتخاذ قرار حاسم”، لأنها تحصل في المطار والمرفأ والمعابر الشرعية وغير الشرعية. وتابع: “كما تبحث القوى الأمنية عن السلع المشبوهة المهرّبة مثل المخدرات والسلاح… فليبحثوا عن السلع الأخرى المهرّبة واعتبار السلع المدعومة التي يتم إخراجها من البلاد خطاً أحمر”.
رفع الدعم
وحول الوصول الى مرحلة سيتمّ رفع الدعم خلالها عن الدواء، قال: “لن يرفع الدعم عن الدواء بل سيتمّ ترشيده كما اعلن سابقاً وزير الصحة العامة، حين قال ان أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية ستبقى مدعومة ولن ترتفع اسعارها بل بالعكس، والأدوية من دون وصفة طبية والأمراض الحادة والتي تشكّل ثلث الأدوية، ستحتسب على اساس سعر صرف الدولار 3900 ليرة بدلاً من 1500 ليرة، علماً أنه يوجد بديل لها ويتمّ تناولها لفترة وجيزة”. فالتهريب بشكل عام والتخزين بكميات كبيرة بشكل خاص من الأدوية من قبل اللبنانيين، يحرم من يحتاجه من تناوله كما يحصل اليوم بسبب انقطاعه من الصيدليات، علماً أن متوسّط المبيع ارتفع الى نسبة 20% خصوصاً في النصف الثاني من العام الماضي. فهل من قرار لتفرض الدولة وجودها، فتجهز على التهريب المستشرس وتوقف نزف إحتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية، النادرة والصعبة؟