الإقفال سقط في النبطية والناس بلا مسؤولية
كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
سقط الإقفال بضربة الناس غير المسؤولة والرقابة المعدومة، لم يتضرّر منه سوى ذوي الدخل المحدود، وما عدا ذلك الكلّ شريك في ارتفاع أعداد الاصابات التي يتمّ وصف حالة معظمها بالسيّئة جداً. لم تلتزم م.ن. الحجر بالرغم من ظهور عوارض فيروس “كورونا” عليها، تسبق السعلةُ حديثها، ووجع صدرها يلازمها، ومع ذلك كانت تتقدّم العزاء، تسلّم على هذه السيّدة وتلك غير آبهة بحجم الكارثة التي تُحدثها بعدم مسؤوليتها. في حساباتها، “العزاء أوجب من العزل”، ومن منظارها “ما عندا عوارض، مجرّد حساسية”. هي نفسها التي خالطت عشرات الأشخاص أثناء عزاء أحد الأقرباء، وهي نفسها التي توسّلت أكثر من شخص قبل أسبوع لتخضع لفحص الـpcr المجّاني الذي تقيمه وزارة الصحّة داخل المكتبة العامة لبلدية النبطية، لكنّها تخلّفت بحجّة أنّ عمّها مات ويجب أن تكون حاضرة، ولو نقلت العدوى للجميع. تحاول تبرير فعلتها بأنّ أحد المعزين نقل اليها العدوى، جازمة بأنّها كانت تتقيّد بالوقاية اللازمة، بالرغم من أنّها لم تكن ترتدي حتّى الكمامة، وفوق كل ذلك تقول: “ما خالطت حدا”. هي عيّنة من شعب “البلا مخّ” الذي ينشر العدوى بين الناس بفضل غباء تصرّفاته، ونتيجة حتمية لغياب المراقبة وعدم إلغاء العزاء الذي يقام في ظلّ الحجر والإقفال وتفاقم أعداد الاصابات. يسجّل غياب تامّ للشرطة البلدية في قمع المخالفات، وحتّى القوى الأمنية غائبة كلّياً إلا اذا اتّصل أحد وأبلغها بوجود تجمّع هنا أو هناك، وما عدا ذلك “كلّ شي فلتان”.
ليست م.ن وحدها التي تصرّفت بلا مسؤولية، فأيضاً فؤاد الذي وقف يتقبّل العزاء بأحد أقربائه المتوفّي بالفيروس وهو مصاب، فالوفاة لم تمنع العائلة من إقامة مراسم العزاء، بل على العكس فتحت المنزل لاستقبال المعزّين وما يتبعه من نقل للوباء. فالمنطقة لم تنس بعد العزاء الذي أقيم في إحدى قرى النبطية وحصد خمسين إصابة وعشر حالات دخلت المستشفى وبعضها حرج، ما يطرح تساؤلاً: من يسمح بمثل هذه التجمّعات وأين القوى الأمنية والشرطة البلدية؟ لماذا لا تقوم بدورها المنوط بها؟
شهدت منطقة النبطية ارتفاعاً خطيراً بأعداد الوفيات في القرى، هذا ناهيك عن أعداد الإصابات ذات الوضع الصعب وتواجه خطر الموت جرّاء نوبة سعال حادة، أو ضيق تنفّس، فمعظم الإصابات تسجّل عوارض قاسية وجديدة، بحسب وصف سهى، لا تُحتمل. وسهى ضحيّة إحدى الزيارات العائلية بالرغم من تأكيدها أنها ملتزمة بالحجر، ولكن أحد أشقّائها يمارس حياته بالشكل الطبيعي، يلتقي رفاقه ليلاً، يتحلّقون حول تنكة النار ويدخّنون النرجيلة، فنقل العدوى لأمّها ومنها لكّل العائلة التي تنازع وتحارب الوباء بالألم القاسي.
يفتك الفيروس في القرى، وتحديداً داخل العائلات، وسط سيطرة عدم الإلتزام بقواعد السلامة، فالإقفال القائم شكلي، والحركة طبيعية، حتى التجمّعات لم تختف بل على العكس، إزدادت بعدما تحوّلت المصالح الى ساحات المنازل، وبات كلّ من الدهّان والميكانيكي وصاحب الخرضوات يعمل امام منزله مع ما يحمله ذلك من خطر، هذا ناهيك عن التذاكي في فتح المحال أبوابها “نص فتحة”. وحده أبو إبراهيم القهوجي خرق قرار الاقفال، حمل إبريقه وفناجينه وسار في الطرقات، فجلوسه في المنزل “لن يؤمّن له قوته الصغير”. الأب لثلاثة اولاد أصغرهم في العاشرة من عمره، خرج ليعمل بعدما فقد كلّ مقوّمات صموده داخل المنزل، فهو يعمل باليومية، اليومية التي لا تشتري له كيلو دجاج، أو كيلو قهوة، فاقت قدرة تحمّله هذه الأيام، ومع ذلك يحارب لأجل لقمة عيشه، فـ “كورونا” بات أرحم من الفقر، “التزمت أول ايام الإقفال، ظننت لوهلة أنّ أحدهم يطرق باب المنزل ويقدّم حصة غذائية أو غالون مازوت للتدفئة، خاب الظنّ. فكلّ البلديات لم تهتمّ لأبنائها، تركتهم لمصيرهم القاسي، فكيف نأكل ولا نملك قرشاً؟ أعمل بيومية ثلاثين الف ليرة، هل تشتري طعاماً في ظلّ الغلاء الفاحش؟ وماذا عن الأربعمئة الف ليرة؟ وأين الجمعيات الانسانية؟ “كورونا” ليس وحده الوباء، فالفاسدون الذين يسرقون لقمتنا أيضاً هم أخطر وباء”!