صحة

الدواء مفقود في لبنان… صحّة المواطنين في خطر

كتبت جويل فغالي في “نداء الوطن” إنذار حاكم مصرف لبنان في نهاية العام الماضي عن الإنتهاء من دعم المواد الأساسية وفي طليعتها الدواء، أدى إلى الفوضى وتهافت المواطنين على تخزين كميات كبيرة منه، الأمر الذي أوصل الى فقدان الدواء وشحّه. ويؤكد نقيب الصيادلة غسان الأمين أن “الأدوية الموجودة في المنازل أكثر من تلك الموجودة في المستودعات وعند الوكلاء”. في حين يشير نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة إلى أنه “خلال 15 يوماً تم مد السوق بـ200 ألف علبة “أسبرين” و250 ألف علبة “أسبيكوت” وهو بديل لبناني لـ”أسبرين”، ورغم ذلك فإن الصنفين مقطوعان في العدد الأكبر من الصيدليات”. واستمر الوضع بالتفاقم، خاصة وان حاكم مصرف لبنان اطلق الإنذار ولم يتخذ اي مبادرة لتطمين الشعب والتخفيف من مخاوفهم.

جبارة شدد، على أن “غياب الثقة بين المواطن والدولة أدى إلى الخوف والهلع اللذين يدفعان اللبنانيين للتهافت على التخزين الذي بات يشكل سبباً رئيسياً لأزمة الدواء، يضاف إليه تراجع الكميات التي يتم استيرادها نتيجة الآلية المعتمدة مع مصرف لبنان للحصول على الدولار المدعوم”. كما أدى تهريب الادوية المدعومة على سعر 1515 ليرة الى خارج لبنان، بغية جني ارباح طائلة واحتكار مستوردي الادوية، الى زيادة شح الدواء.

وأضاف جبارة: “أن رفع الدعم عن الدواء سيكون بمثابة الكارثة الإنسانية وذلك لأسباب عدة، منها أن المواطن يدفع حالياً 35% من فاتورة الدواء وهو بالكاد يستطيع تحملها، فكيف إذا رُفع الدعم وتضاعفت قيمة هذه الفاتورة؟”، مشيراً الى أنه “من الصعب تحديد الزيادة التي ستطرأ على سعر الدواء، إذ لن يكون هناك سعر ثابت أو سقف، فسعر الدواء سيرتبط مباشرة بسعر صرف الدولار في السوق السوداء، والذي سيزيد الطلب عليه من قبل جميع المستوردين الذين رُفع الدعم عن السلع التي يستوردونها. وبالتالي سيرتفع سعر الدولار بشكل مستمر ويرتفع معه سعر الدواء”. هذا وسيتسبب رفع الدعم أيضاً في انقطاعات مستمرة في الدواء، إذ إن المستوردين يواجهون حالياً مشكلة بتأمين الـ15% من فاتورة الدواء بالدولار، فكيف إذا رُفع الدعم وأصبحت فاتورة الاستيراد كاملة بالدولار؟”.

الخطة البديلة

في أواخر سنة 2020، تراجع حاكم مصرف لبنان عن الإنذار الذي أطلقه، وطمأن الشعب بأن الإجراء المنتظر هو ترشيد الدعم وليس وقفه كلياً. وجاء هذا بعد حركة سياسية سريعة من قبل المنظومة التي رفضت وقف الدعم. لم تتمكن هذه المنظومة من تحديد القيمة الدولارية المتوفرة لدى مصرف لبنان لترشيد الدعم، وحاكم مصرف لبنان لم يوضح هذا التعميم واكتفى بطرح إمكانية خفض الاحتياطي الإلزامي من العملات الأجنبية من 15 بالمئة إلى نحو 12 بالمئة أو 10 بالمئة، الأمر الذي يؤكد ان قرار الترشيد سيؤدي الى تأجيل وقف الدعم وليس إلغائه. فحتى رئيس الحكومة حسان دياب، لا يعلم شيئاً عن المبلغ الذي يطمئن اللبنانيين. إذ يقول دياب: “سمعنا من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن هناك ملياري دولار قبل الوصول إلى الاحتياطي”. مشيراً إلى أنّه “لم يبلِّغني مباشرة بالرقم”. ومع ذلك، يؤكّد دياب أنه “مع اعتماد الترشيد يكفينا المبلغ ستة أشهر”.

وبدوره، شكّل دياب لجنة لوضع خطّة من اجل ترشيد دعم الدواء، شاركت فيها جهات عدة منها نقابة الصيادلة ونقابة مستوردي الأدوية. واوضحت مستشارة رئيس الحكومة للشؤون الصحية الدكتورة بترا خوري ان “اللجنة ستقوم بتقسيم الادوية إلى 3 مجموعات استناداً لأهمية الدواء والغاية من استعماله. وبناء على ذلك يقرر دعمه من عدمه، وليس بموجب مبدأ الـbrand أو الجينيريك”.

التسعير وفق التقسيم

اللجنة المخوّلة إعداد الخطة رفعت تقريرها إلى رئاسة الحكومة ووزارة الصحة. ومن المفترض بالاخيرة إنها باشرت العمل على تنفيذ الخطة بالتنسيق مع مصرف لبنان، وأن أسعار الأدوية لن تتغير بشكل كبير”، تقول خوري.

وجرى تقسيم الأدوية على الشكل التالي:

• أدوية الـ OTC أي over the counter drugs وهي أدوية لا تحتاج لوصفة طبية من طبيب. وهذه الفئة ستتغيّر تسعيرات أدويتها وسيتم رفع الدعم عنها، ويتوقف مصرف لبنان عن تغطية دعمها بالدولار وفق سعر صرف 1500 ليرة، لكنه سيستمر بدعمها وفق سعر صرف المنصة الإلكترونية أي 3900 ليرة للدولار.

• الأدوية التي يتم تناولها لأقل من 60 يوماً وهي تنقسم إلى قسمين: الأول يقل سعر الدواء فيه عن 30 دولاراً، والقسم الثاني يفوق فيه سعر الدواء 30 دولاراً، وفي هذه الفئة سيتم تعديل أسعار الأدوية التي تقل أسعارها عن 30 دولاراً، أما الباقي فلا تغييرات في أسعارها.• أدوية chronic drugs وهي الفئة الثالثة، ومنها أدوية الأمراض المزمنة والأدوية مرتفعة الأسعار، فلن ترتفع أسعارها ولن يطرأ عليها أي تغييرات.

من جهته أكد جبارة على “عدم رفع الدعم عن أي دواء مسجل في وزارة الصحة في المرحلة الراهنة”. وبالنسبة الى تحرير الاسعار أشار إلى انه “سيتم تسعير أدوية الـOTC وفق سعر صرف 3900 ليرة كمرحلة أولى. أما في مرحلة لاحقة فمن الممكن أن تدرس وزارة الصحة تحرير أسعار فئات من الأدوية. لكن قطعاً ليس في الوقت الحاضر، فلا توجّه ابداً لتحرير أسعار الأدوية”.

هواجس المواطن اللبناني اصبحت كثيرة وثقته بالدولة باتت مفقودة، واذا فُقدت الثقة فُقد الأمان، خصوصاً ان الموضوع يتعلق بصحته وقدرته على شراء الدواء. وبحسب جبارة فان “المطلوب بأسرع وقت ممكن خروج المسؤولين المعنيين بالقطاع ليعلنوا أن مصرف لبنان حجز مبلغاً معيناً لدعم الدواء، وأنه يكفي حتى آخر عام 2021 وبالتالي لن يتم رفع أسعار الدواء، لربما يتمكنون من تخفيف هلع وخوف المواطنين”.

الوضع صعب على الرغم من إطلاق خطّة الترشيد. فالترشيد حلّ موقّت يؤدي الى تخفيف الأزمة وليس الى إلغائها، خاصة وإن خطابات حاكم مصرف لبنان غامضة وليست دقيقة بالنسبة للاحتياطي اللبناني المُتبقى.

المصدر: نداء الوطن

مقالات ذات صلة