“الخرطوشة الأخيرة” لعلاج مُصابي كورونا… و”تجارة” بلازما الدم
كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:
الاستثمار في الأزمات لا حدود له. وعندما يأتي الأمر الى المستشفيات الخاصة فإنها تعرف تماماً من أين تؤكل الكتف. «تجارة» بلازما الدم أحدث «ترند» في «عالم الكورونا». العينات التي تستخدم كـ«خرطوشة أخيرة» لعلاج المصابين بالتهابات رئوية حادة تكلف في هذه المستشفيات أضعاف «التسعيرة» المفترضة.
مع انتشار وباء كورونا، كان الشاغل الأساس في مواجهة هذا الفيروس المستجد إيجاد أدوية أو تقنيات علاجية مناسبة للقضاء عليه. تكثّفت التجارب وتعدّدت، منها ما وصل إلى برّ الأمان ومنها ما فشل وبقي مجرّد تجربة. من بين التجارب التي أثبتت فعّاليتها، ولو تبعاً لكل حالة، تقنية «بلازما النقاهة» التي تُستخدم كـ«خرطوشة» أخيرة في علاج المصابين الذين يعانون من التهابات رئوية حادة. بعبارة أخرى، هي تأتي في آخر المطاف، فإما تعمل على تقوية مناعة المريض وبالتالي بقائه على قيد الحياة وإما الاستسلام. ويقوم العلاج بهذه التقنية على أخذ أجسامٍ مضادّة من أشخاصٍ أصيبوا بالعدوى وتعافوا في ما بعد، وحقنها في جسم المريض. وتوجد هذه الأجسام في العادة في البلازما، وهو الجزء السائل من الدم، ولذلك أُطلق عليها «بلازما النقاهة».
بدأ لبنان استخدام هذه التقنية بعد دول عدة، كإيران والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وغيرها من البلدان التي شهدت أعداد إصابات عالية. لكن «المميّز» هنا أن الحصول على هذه التقنية مكلف جداً في كثيرٍ من الأحيان، إن كان لناحية المجهود الذي يتعيّن على أهل المريض بذله لإيجاد متبرّعين، أو لناحية «تسعيرة» وحدة البلازما التي تختلف بين بنوك الدم التابعة للمستشفيات التي تتولى علاج مرضى الكورونا.
في الشقّ الأول، كان ثمّة ضياع في كيفية تحصيل عينات الدم، إذ لم تكن هناك جهة لتنسيق الأمر، ما دفع بأهالي المرضى إلى تشغيل مجموعات الـ«واتساب»، أو تنظيم جولات على بنوك الدم. فعلى رغم انتشار الوباء في البلاد إلى درجة فقدان السيطرة عليه، إلا أن مسألة البلازما بقيت خارج إطار متابعة وزارة الصحة العامة. بحسب المصادر، «لا علاقة لوزارة الصحة بهذا الإجراء الطبي الذي يتم بتبرّع مجاني من مرضى شفوا من الفيروس في المستشفيات التي تتقاضى ما يحق لها من أتعاب».
انطلاقاً من ذلك، لا إمكانية للوزارة لإقامة بنك دم متخصّص للبلازما، خصوصاً أنه «لا يمكن إجبار المتبرع على التبرع». من هنا، تُرك تدبّر الأمر لعائلة المريض والمستشفى. وإزاء هذا الواقع، عمل البعض على تطوير مبادرات فردية لمساعدة أهالي المرضى على إيجاد متبرعين، منها ما بدأته بلدية الغبيري تحت عنوان «بنك الدم – البلازما»، وهي عبارة عن مجموعة تشكّل صلة وصل بين عائلة المريض والمتبرع، إضافة إلى مبادرة أخرى لعدد من الصيادلة بتعميم لائحة في ما بينهم تتضمن أسماء أشخاصٍ شفوا من كورونا وهم مستعدون للتبرع، إلى غيرهما من المبادرات.
ولكن، كما العادة، استغلّ البعض هذه التقنية لجني الأرباح، وهو ما يبدو جلياً في اختلاف أسعار وحدات البلازما بين بنك دم وآخر. إذ تبين «التسعيرة» أن هناك بلازما «5 نجوم» وأخرى «حكومية».
ويوضح طبيب يعمل في أحد المستشفيات الحكومية أنه في ظل غياب أي دور لوزارة الصحة «استغلت بعض المستشفيات الأمر وبدأت بالتسعير كما يحلو لها». ويلفت إلى أن كلفة تحضير العلاج بالبلازما تغطي ثلاث مراحل، «في المرحلة الأولى تُسحب عينة الدم من المتبرع ونعمل على فصل العينة بكلفة 100 ألف ليرة، ومن بعدها نجري الفحوص على العينة للتأكد من سلامتها بكلفة تبلغ 114 ألف ليرة، وقبل حقن المريض بها، هناك المرحلة الأخيرة وهي فحص مستوى المناعة (IGG) بكلفة 50 ألفاً». هكذا، تبلغ الكلفة الإجمالية «264 ألف ليرة يضاف إليها سعر كيس الدم». الآلة التي تُستخدم في فصل العينة «من المفترض أن تكون موجودة في المستشفى». أما ما تفعله بعض بنوك الدم في المستشفيات فهو أنها «تحاول تحميل العينة الواحدة كل الأكلاف من كلفة فريق العمل إلى الثياب الواقية وغيرها».
وفي وقت تبلغ كلفة العينة في «الحكومي» نحو 300 ألف ليرة لتصبح جاهزة كعلاج، تكفي جولة على بنوك الدم في المستشفيات التي تعالج مرضى كورونا، ليتبين أن كلفة تحضير العينة تبلغ بين 760 ألف ليرة ومليون و400 ألف. ويردّ هؤلاء السعر إلى «كلفة الفحوصات التي تحتاج إليها العينة»! فيما يعزوها آخرون إلى متبرعين يطلبون بدلاً مادياً لقاء إعطاء العينات. مع ذلك، وبغضّ النظر عن تلك الأسباب التي يمكن أن تكون مؤثرة فعلاً، كيف يمكن تبرير الفارق الذي يتخطّى في بعض الأحيان المليون ليرة؟ أين هي الوزارة مما يجري؟ وهل النأي بالنفس ينسحب أيضاً على ما تقوم به بعض بنوك الدم لناحية التجارة بالبلازما؟