إنقطاع دواء للقلب… ومواده الأولية مخزّنة منذ شهر في المرفأ!
كتبت راجانا حمية في “الاخبار”:
يوماً بعد آخر، تكبر لائحة الأدوية التي «تنقطع» فجأة. ولا يكاد عدّاد «الانقطاع» يثبت عند دواء معيّن، إذ بات عاماً ومن دون استثناءات. من الأمراض المزمنة إلى تلك السرطانية إلى أدوية العوارض العادية والبديهية، كالبنادول مثلاً. «انقطاع» على «مدّ العين والنظر»، يقف اليوم عائقاً بين المريض وشعوره بالأمان، بعدما بات حقه الطبيعي بالدواء مرهوناً لمشيئة «التجار» من جهة، وللقرارات الاستنسابية لمصرف لبنان.
سببان أساسيان – من دون أن يلغيا أسباباً أخرى – يجعلان اليوم حياة آلاف المرضى على المحك، مع انقطاع عدد من الأدوية الأساسية وبدائلها. ويصل الأمر أحياناً إلى حدّ انقطاع أدوية لا بدائل لها. هذا ما حدث أمس مع مريضات سرطان الثدي، وما يحدث اليوم مع مرضى القلب الذين يعانون منذ أكثر من شهر من انقطاع دواء «سنتروم». وهو دواء مسيّل للدم يستخدمه المرضى الذين خضعوا لعمليات القلب المفتوح التي يجري خلالها استبدال الصمّامات المريضة بأخرى اصطناعية. والمشكلة التي يواجهها آلاف المرضى ممن يحملون في صدورهم صمامات حديدية أن لا بديل لهذا الدواء الذي لا يزيد سعره عن 6500 ليرة. بحسب رئيس الجمعية الأوروبية – الآسيوية لجراحة القلب، الدكتور جورج تادي، هذا الدواء ضروري كونه «يمنع حصول تجلّطات أو تجمّد للدم على الصمام، ما قد يؤدي إلى جلطات دماغية أو إلى توقف عمل الصمام وحدوث احتقان رئوي وضيق في النفس قد يسببان الموت المفاجئ».
في السابق، كانت استخدامات «سنتروم» تقتصر «على قتل الفئران والجرذان، كونه يؤدي إلى تسييل الدم بقوة»، ولذلك هو دواء قديم جداً وسعره رخيص وفي متناول اليد. أما اليوم، ومع «انقطاعه»، فقد تضيق الخيارات كثيراً، وإن كان ثمة بديل في بعض الحالات النادرة فهو «إبرة تؤخذ تحت الجلد ويدوم مفعولها بين 12 و24 ساعة على أبعد تقدير»، على ما يقول أحد أطباء القلب. وعدا العناء الذي يتكبّده المريض في أخذ الإبرة، لا يبدو أن الحال يناسب الكثير من المرضى لناحية قدرتهم الشرائية، إذ يبلغ سعر الإبرة الواحدة «ثلاثة إلى أربعة أضعاف» سعر الـ«سنتروم».
إلى هذا الحد، لا يمكن الاستغناء عن هذا الدواء. هذا ما يقوله الطب. أما هنا، فيضطر آلاف المرضى منذ نحو شهر للتأقلم مع فقدانه. أما الأسباب؟ فتلك فضيحة أخرى. هناك ما بات معلوماً ومشتركاً بين معظم الأدوية المقطوعة، وهو المكوث الطويل للملفات في مصرف لبنان والتأخر في فتح الاعتمادات ما ينعكس تأخّراً في استيراد الأدوية وبالتالي انقطاعها. يضاف إلى ذلك تهريب الأدوية إلى الخارج، خصوصاً بعدما بات سعر الدواء في لبنان منخفضاً جداً مقارنة بدول أخرى. أما ثالث الأسباب البديهية فهو تخزين أصحاب المستودعات والتجار للأدوية تمهيداً لبيعها بسعرٍ أعلى عندما يُرفع الدعم، وكذلك تخزين الناس لبعض الأدوية خوفاً من انقطاعها.
وهذه كلها حدثت في حالة دواء «سنتروم» وغيره أيضاً. ولكن ما يمكن إضافته هنا يمكن أن يكون سوريالياً، فبحسب الدكتور مالك محمد، رئيس جمعية أطباء القلب في لبنان، الدواء يُنتج محلياً، إلا أن مواده الأولية تُستورد من الخارج، وما يحدث أن «تلك المواد موجودة منذ نحو شهر في المرفأ، ولكنها لسوء الحظ مخزّنة في أحد المستودعات الذي يحتوي على مواد مصنّفة خطرة، فقط لأنه بودرة»! عمد محمد إلى التواصل مع إدارة الجمارك لاستيضاح الأمر عن سبب هذا اللغط، «ووُعدنا بتسوية الأمر خلال ساعات أو أيام على أبعد تقدير».
ثمة مشكلة أخرى تشكّل، بحسب عدد من الأطباء، نواة الأسباب، وهي أن ما نشهده اليوم في مسلسل الدواء «دليل على فشل نظام الدعم المتّبع الذي يعمد إلى دعم استهلاك الدواء، بمختلف أنواعه التجارية، بلا مراعاة لمنطق الترشيد». والمسؤولية هنا تتحملها وزارة الصحة أولاً وآخراً التي تكتفي اليوم بـ«ممارسة دور شرطي صغير»، فيما المطلوب «تعديل نظام الدعم بما يحقق أمرين أساسيين: تخفيض فاتورة الدعم والتأكد تالياً من وصول الدواء إلى المرضى». وفي هذا الإطار، تتحضّر جمعية المتطوّعين للرعاية الصحية لنشر خطّة «إصلاح نظام دعم الدواء»، خصوصا أنه من غير المقبول «أن بلداً مفلساً يقوم بتمويل خطة دعم دواء كما كان قبل الإفلاس». ويأتي هذان الهدفان في أساس تلك الخطة، بحيث يصبح دعم الدواء مستمراً بلا خوف من الانقطاع المفاجئ. أما ماذا تتضمن الخطة؟ يكتفي أحد الأطباء في الجمعية بإعطاء مثال عمّا يعنيه هذا الإصلاح، مشيراً إلى أنه «في غالب الأحيان هناك عدة أنواع تجارية للتركيبة الواحدة (20 نوعاً في أحد أدوية تخفيض الكولسترول)، ويمكن هنا في إطار عملية الإصلاح دعم النوع الفعّال والأرخص بدلاً من دعم النوع الأغلى الذي يحمل التركيبة نفسها، مع إمكانية دعم نوعين آخرين كبديل في حال الفقدان». هذا واحد من الخيارات التي يمكن أن تُعفي الوزارة من الوقوف موقف الشرطي على ما يفعله التجار.