الدواء مفقود…تهريب وتخزين وشحّ وفلتان
خلق هاجس رفع الدعم عن الدواء حال هلع عند المواطنين، الذين عمدوا الى تخزين الدواء بكميات كبيرة، ما أدّى الى فقدان أصناف كثيرة من الأدوية من السوق وحرمان بعض المرضى منها، فأُضيفت أزمة الدواء الى لائحة المصائب التي يعاني منها المواطن.
وكأنّه لا تنقص اللبناني المصائب التي يعانيها، حتى أُضيفت اليها أخيراً أزمة فقدان الأدوية. وفيما تمكّن البعض من تخزين ادويته لمدة 6 اشهر الى الامام، تحسباً لارتفاع الاسعار بعد رفع الدعم، لا يجد البعض الآخر الادوية الاساسية، لا سيما تلك الخاصة بمعالجة الامراض المزمنة. وعليه، أين تكمن المشكلة الحقيقية، هل في تخزين الادوية في البيوت، مثلها مثل المحروقات والاموال والسلع الغذائية، ام في تأخّر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات، ام في التقنين في توزيع الادوية لبيعها بأسعار مضاعفة بعد رفع الدعم؟ ام في التهريب الناشط؟
يؤكّد نقيب مستوردي الادوية كريم جبارة، انّ عناصر أزمة الدواء ثلاثة هي:
– لدينا مخزون أدوية، انما هذا المخزون ليس كبيراً، بسبب صعوبة فتح الاعتمادات التي تؤخّر الاستيراد، ما يحدّ من قدرتنا على زيادة هذا المخزون لتلبية الطلب الزائد على الدواء.
– ارتفاع الطلب على الدواء زاد بشكل كبير، بسبب حالة الهلع التي خلقها الحديث عن امكانية توقف الدعم.
– تجار «الشنطة» الذين يجولون من صيدلية الى اخرى، يشترون الادوية ويهربونها الى الخارج، إما عبر الحدود البرية او عبر المطار.
وقال جبارة لـ«الجمهورية: «انّ لائحة الادوية المقطوعة والتي جرى تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هي في جزء منها صحيحة، انما الجزء الاكبر غير مفقود وغير مقطوع». لافتاً الى انّ «كميات الادوية التي تُضخّ في السوق مطابقة للاحتياجات الطبيعية للبنان، انما هذه الكميات ما عادت تصل الى كل المرضى، إما لأنّ أحد المرضى اشترى 10 مرات أكثر من حاجته، فأخذ من طريق غيره، وإما انّ تجار «الشنطة» اشتروا الدواء من السوق واخرجوه من لبنان. وإذا كان البعض يخزن الدواء في المستودعات، فنأمل من التفتيش الدوائي ملاحقته وتوقيفه».
وأسف جبارة لأنّ «لا توجد آلية تُتبع في لبنان لشراء الدواء ووصوله الى المريض وفق حاجته. فما يحصل، انّ بعض المواطنين يجولون على الصيدليات ويشترون من كل منها حاجتهم من الادوية للفترة المقبلة وهذا ما فاقم الازمة».
«لا توجّه لرفع الدعم»
من جهة أخرى، أكّد جبارة ان «لا توجّه لرفع الدعم عن الادوية، انما تخفيفه، مع وضع خطة تحمي المواطن والقطاع الصحي». واعتبر انّ الحل يكمن في استرجاع الثقة، من خلال الاعلان رسمياً امام المواطنين، انه لن يتمّ رفع الدعم قبل التأكّد من ان كل مريض سيواصل الحصول على علاجه.
ورداً على سؤال، أكّد جبارة انّ الادوية المفقودة ستتأمّن. فهناك شحنات ادوية تصل تباعاً الى لبنان، لكن مشكلة أخرى برزت اليوم، تتمثل في كيفية تطبيق تعميم مصرف لبنان الذي يطلب فيه من المستورد ان يؤمّن الليرة اللبنانية لزوم الاستيراد نقداً، وهذا أمر يستحيل تأمينه بسرعة. فالمستورد مثلاً يبيع ادوية الى وزارة الصحة والجيش، وهذان الطرفان لا يسدّدان ثمن الادوية نقداً، والمصرف لم يعد يعطي أموالاً نقدية، وبالتالي كيف السبيل لتأمين bank note؟ تطبيق هذا التعميم يعني التأخّر في فتح الاعتماد، لانّ المستورد يحتاج شهرين على الاقل لتأمين المبلغ نقداً. والمضحك، انّ هذا التعميم خلق في اقل من 24 ساعة سوق سوداء للنقدي، على غرار ما كان يحصل للدولار. فمقابل تحرير الشيك اللبناني نقداً يطلب من يملك المبلغ نقداً عمولة معينة.
رفع الدعم نهاية بلد
من جهته، كشف نقيب الصيادلة غسان الامين لـ«الجمهورية»، انّ نحو 70% من الادوية الاساسية للمواطن مفقودة من السوق، ويزيد عددها عن 100 دواء، وهي ترتبط خصوصاً بالامراض المزمنة، مثل القلب والضغط والسكري والكوليسترول والاعصاب، الى جانب بعض ادوية السرطان.
واشار الامين، الى انّه استناداً الى معطيات المستوردين، فمن المتوقع ان يكفي المخزون شهراً او اثنين كحدٍ اقصى، لكن الطلب مرتفع جداً، لأنّ المواطنين يخزّنون الادوية في المنازل لحاجة 6 اشهر الى الامام، خوفاً من انقطاعه او ارتفاع اسعاره بعد رفع الدعم، ما قلّل من مخزون الدواء عند المستورد. اضف الى ذلك، انّ الفرق بين سعر الصرف المعمول به في المركزي، وذلك المُعتمد في السوق السوداء ، شجّع المهرّبين على لمّ الدواء من الصيدليات وتهريبه، مستفيدين من دعم مصرف لبنان. وقد تبيّن انّ الدواء اللبناني موجود في صيدليات سوريا والعراق.
وعمّا اذا كانت المشكلة من المستوردين الذين يقننون بتوزيع الدواء، ام من الصيدليات التي تخزّن الدواء وتخبئه وتهرّبه، قال: «انّ الصيدليات مظلومة لأنّها لا تملك الدواء، لكن لا يجب الاستهانة بالتخزين الذي حصل في المنازل، ما انعكس على مخزون الادوية عند المستوردين».
وعمّا اذا كانت حلحلة ازمة الدواء قريبة، قال الامين: «حلّ الأزمة الدوائية يبدأ اولًا من تسهيل فتح الاعتمادات، بالاضافة الى تطبيق الاجراءات التي اعلن عنها وزير الصحة. والسير بهذين الخطين يعد بانفراجات، لكن ذلك سيتطلب بعض الوقت».
ورداً على سؤال، أكّد الامين انّ رفع الدعم عن الدواء يعني نهاية البلد، لا بل كارثة وطنية بكل ما للكلمة من معنى، لأنّ هذه الخطوة ستزيد من سعر الدواء 6 اضعاف، وبالتالي انّ المؤسسات الضامنة من ضمان اجتماعي وتعاونية موظفي الدولة وغيرها التي تقوم بتأمين 63% من الشعب اللبناني من خلال تسديدها لنحو 80 الى 90% من سعر الدواء، ستفلس، ولن يكون بإمكانها الاستمرار. لذا هذا الامر مستبعد.
أضاف: «ابلغنا حاكم مصرف لبنان خلال لقائنا به، انّه لا يمكنه الاستمرار بالدعم على هذا النحو لأكثر من نهاية السنة، لذا اقترح ترشيد استيراد الدواء، من خلال الاتفاق على لائحة أدوية كفيلة بتأمين الامن الدوائي للمواطن، بما يتناسب مع امكانيات مصرف لبنان. وتُعقد للغاية اجتماعات مكثفة في وزارة الصحة ومجلس الوزراء لتحديد اللائحة».
اضراب الصيدليات
وعن اضراب الصيادلة قال الامين: «انّ الاضراب الذي نُفذ امس في الصيدليات هو ردة فعل طبيعية تجاه المعاناة والأزمة التي يمرّ بها القطاع». لافتاً الى «اقفال نحو 300 صيدلية في الفترة الاخيرة بشكل نهائي، وعدد آخر مرشح للاقفال. وقد اضيفت الى هذه المعاناة أزمة انقطاع الدواء والتقنين في تسليم الادوية للصيدلي، بحيث نتسلّم علبة دواء واحدة من كل صنف في اليوم، مع العلم انّ بعض الادوية مفقود كلياً».
الى ذلك، شهدت المناطق اللبنانية التزاماً متفاوتاً امس في اضراب الصيدليات احتجاجاً على عدم تسليمها الكميات التي تحتاجها من الشركات الموزعة، فلجأ البعض الى الاغلاق طوال اليوم والبعض الآخر اقفل حتى الظهر تحسساً منهم مع حاجات المواطنين الطارئة.
المصدر: الجمهورية