منازل لبنان تحوّلت الى مصارف ومحطات وقود
كتب أنطوان الفتى في “أخبار اليوم”:
يُطالبون باستعادة الثقة بلبنان على مستوى الدولة والإقتصاد، وهو ما سيساعد إن حصل على استجلاب وتحفيز الإستثمارات، على المستويَيْن الداخلي والخارجي. ولكن، ماذا لو قُلنا إن هذه العملية تبدو شبه مستحيلة طالما أن الثّقة مفقودة على مستويات أكثر تواضُعاً.
فكيف يُمكن لدولة أن تستمرّ إذا كانت منازل مواطنيها تحوّلت الى صيدليات، والى محطات بنزين، وسوبرماركت، ومصارف، ومحال للأكسسوار؟ وكيف يُمكن لدولة أن تستعيد ثقة الخارج بها إذا كانت ثقة الداخل مفقودة الى مدّة زمنية لن تكون قليلة؟ وكيف يُمكن لدولة أن تستعيد ثقة الداخل إذا كانت عاجزة عن وقف عمليات تهريب موادها الحيوية والأساسية، فيما أن كثيراً من مسؤوليها يخافون من الإضاءة على أنه (التهريب) يحصل بالفعل؟
التوقُّف عن السّفر
منذ عام ونيّف، بدأت الدّعوات الى التوقُّف عن السّفر الى الخارج، والى الإستعاضة عنه بالسياحة الداخلية حفاظاً على العملة الصّعبة في الداخل. ومنذ ذلك الوقت أيضاً، بدأت الدّعوات الى الاتّجاه نحو الإقتصاد المقاوم، وتفعيل الزراعة، في شكل غير موزون، لأنه يتماشى من الطبيعة والأهداف السياسية لتلك الدعوات، وليس مع المنطق.
فإدخال تعديلات أو القيام بتغييرات إقتصادية، يحتاج الى وقت، وهو عملية لا تحتمل “الطرّة – نقشي”، لأن التلاعُب بأمن الناس المعيشي ليس عملية سهلة. ولكن الإصرار على الخروج من المنظومة الدولية بالنّسبة الى بعض الأطراف، سياسياً وأمنياً، كان مُلهِماً أساسياً لتلك الطروحات، بما أدخلنا في دهليز قد لن نتمكّن من الخروج منه، إلا بعد سنوات لا يُمكن لأحد تقدير عددها الفعلي.
إنفجار قارورة غاز هنا، وخزّان بنزين هناك. ومن يدري ما يُمكنه أن يحصل مستقبلاً؟ فالمواطن الذي يصحو ويغفو على أزمة، قد يستميت في فعل كل شيء، الى درجة أنه قد يكون جعل منزله محطّة للوقود (لا نبرّر تلك الأفعال، ولكن لا بدّ من تفهُّم المخاوف التي تتحكّم بالسلوكيات في كثير من الأحيان).
وهذا قد لا يكون شيئاً إذا قُلنا إن عدداً لا بأس به من المنازل اللّبنانية أصبح عبارة عن صيدليات، تُخزَّن فيها كميات كبيرة من الأدوية خوفاً من رفع الدّعم. وهو ما سينعكس لاحقاً على زيادة المشاكل الصحية، انطلاقاً من أن شروطاً محدّدة تتحكّم بتخزين الأدوية، وهو ما قد يُفقِدها بعض مفاعيلها الطبية إذا تمّت تلك العملية (التخزين) بطريقة غير سليمة.
مجاعة!
وماذا عن تحويل بعض المنازل الى سوبرماركت، وذلك منذ أشهر، وكأننا على عتبة أقسى مجاعة في التاريخ؟ فهذا يعود أيضاً الى الخوف من مزيد من ارتفاع الأسعار (قبل أشهر)، ومن رفع الدّعم (اليوم). وهو ما جعل البعض يحتفظون بما قد لا يحتاجونه بالفعل قبل انتهاء مدّة صلاحيّته ربما!
وماذا عن تحويل الكثير من المنازل الى مصارف، تُخزَّن فيها كميات من الأموال، مدعومة بتدعيم الأبواب ومداخل الأبنية بالكثير من الحديد، منعاً لحصول عمليات سرقة؟
وماذا عن تحويل بعض المنازل الى محال للأكسسوار؟ وهو ما يعني أن المنازل اللبنانية تحوّلت منذ أكثر من سنة الى كلّ شيء، حتى أصبحت تُشبه “صندوق الفرجي” ربما.
أسلحة
ولا يُمكن الحديث في هذا الإطار، دون الإشارة الى الأسلحة الموجودة في كثير من المنازل، وهو ما ينعكس على الواقع الأمني في عدد من المحافظات والمناطق، حيث “الأجنحة العسكرية” للعائلات تحكُم وتفاوض وتقرّر، بدلاً من الدولة.
هذه هي دولة الـ “أنا أفكّر عنك”، التي من نتائجها المحتّمة، “لا تفكّر أنت”، و”لا أنا أفكّر”!!!
mtv