“بابور الموت”.. فراس حاطوم يضع بعهدة القضاء “أدلة النيترات”
أثبت التقرير الذي أعده الصحأفي فراس حاطوم في قناة “الجديد” بمعاونة كل من الصحافيتين حليمة طبيعة وليال بو موسى، استحالة بقاء وانفجار نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت من دون معرفة الأجهزة الأمنية ومن خلفها الدولة اللبنانية التي امتلكت القدرة دائماً على تحاشي الكارثة إلا أنها فضلت أن لا تفعل شيئاً.
الصور التي حصل عليها حاطوم وعرضها في بداية تقريره تثبت أن المواد كانت مكشوفة للعيان طوال الوقت، والعنبر على مرأى جميع الأجهزة. هو جهد اعلامي استقصائي، يستحيل أن يبقى بمنأى عن ضرورة استخدامه في القضاء، في حال كانت المعلومات مخفية عنه.
تعرض التقارير الخمسة التي تضمنتها حلقة “بابور الموت” عدداً من الأدلة التقنية المهمة والتي تلقي الضوء على مسار شحنة الأمونيوم منذ ما قبل وصولها إلى لبنان، أي منذ تسلم شركة “جيو سبكتروم” مهمة التنقيب عن النفط والغاز في لبنان، في العام 2013، واستقدامها آلات المسح الزلزالي من شركة “جي أس سي” الأردنية بموافقة وزارة الطاقة اللبنانية. بعد انتهاء فترة عمل الشركة والتي استمرت لحوالي الستة أشهر، بقيت هذه المعدات في لبنان وعندها تم استدعاء الباخرة روسوس لإعادة هذه المعدات إلى الأردن.
ما كانت الباخرة روسوس لتدخل إلى لبنان من دون معرفة حمولتها، بحسب تقارير “بابور الموت”، حيث يتوجب على الوكيل البحري إعداد مانيفست يتضمن تفاصيل حمولة الباخرة وتقديمها إلى جميع الأجهزة الأمنية العاملة في مرفأ بيروت، بما فيها الجيش اللبناني الذي يعطي بدوره نسخة إلى قوات الأمم المتحدة في البحر عملاً بالقرار 1701.
فإما أن الوكيل البحري قدم تقريره بالحمولة وعلم الجميع بما يتواجد على المرفأ أو لم يقدمه وفي ذلك فساد مشبوه قد لا يتوقف عند الباخرة روسوس بل قد يتعداه إلى العديد من البواخر التي قد تفرغ حمولتها بغفلة عن الأجهزة الأمنية اللبنانية.
يطرح التقرير علامات استفهام عديدة حول علاقة “جيو سبكتروم” بالباخرة وهي شركة لديها مشاريع عديدة في سوريا تتعلق بالتنقيب عن النفط وعلى علاقة برجال أعمال سوريين متهمين بتبييض الأموال في روسيا وغيرها منهم جورج حسواني.
بعد وصول الباخرة إلى لبنان، اكتشف القيمون عليها أنها عاجزة عن حمل المعدات بسبب تقادمها وحالها السيء فرست في مرفأ بيروت إلى أن قرر قاضي الأمور المستعجلة إفراغها الحمولة في المرفأ وإبعاد الباخرة عن الشاطئ، حيث تم تجميع نيترات الأمونيوم في المرفأ رقم 12.
يلقي التقرير الضوء على العديد من الأحداث الغريبة والتي أهملت الدولة التحقيق فيها، عن قصد أو إهمال، مثل قضية العميد جوزيف سكاف الذي كان أول من أرسل برقية إلى وزارة المالية يحذر فيها من خطورة ترك هذه المواد في مرفأ بيروت، وقد تكون ملاحقة سكاف للقضية فيما بعد سبباً لمقتله في ظروف غامضة، حيث أجرى البرنامج مقابلات مع عائلته متتبعاً تقارير الأطباء الشرعيين الذين غيروا إفاداتهم في أماكن عدة، من الموت نتيجة إعتداء إلى الموت قضاء وقدراً.
في العام 2015 وبناء على طلب شركة سافارو المالكة للشحنة، كلف القضاء اللبناني الخبيرة ميراي مكرزل الكشف عن الشحنة غير أن التقرير الصادر عن مكرزل بدا صادماً حيث اقتصرت المعلومات على أن البضائع في حالة مزرية وهي موضوعة بشكل عشوائي لا يمكن معه إحصاء عددها، معتمدة على إحصاءات سابقة تفيد بأن عدد الأكياس هو 2750 كيساً، وبحسب اتصالات مع المعنيين في المرفأ فإن هذه الإحصاءات غير دقيقة والعدد المدون على الأوراق هو رقم تقديري حيث لم يقم أحد العدّ عند التفريغ.
هذه المواد التي لا أحد يعرف كميتها وما بقي منها في السفينة، هي بحسب التقرير، مصنفة كمواد متفجرة وليست كأسمدة زراعية بسبب ارتفاع نسبة الآزوت فيها، وكان العمال في المرفأ، سوريون ولبنانيون، يأخذو كميات منها بشكل منتظم يومياً بحسب مقابلة أجراها معدو التقرير مع مأمور الجمارك في المرفأ. فإلى أين كانت تذهب هذه الكميات؟
حدث غريب آخر يكشف عنه التقرير هو أن شحنة وصلت إلى مرفأ طرابلس في العام 2014، هي عبارة عن 1006 أطنان من نيترات الأمونيوم المخففة، كمية تفوق حاجة الاستهلاك المحلي اللبناني وخلال عام ونصف العام تقريباً، كما تبين الوثائق كان قد تم إدخال هذه الكمية إلى الأراضي اللبنانية.
معلومات كثيرة يكشفها “بابور الموت” الذي استغرق إعداده حوالى الستة أشهر، لكنه في الوقت نفسه يطرح العديد من الأسئلة حول من كان المستفيد من بقاء النيترات في مرفأ بيروت؟ لماذا لم تتحرك الدولة؟ إلى أين ذهبت الكميات المفقودة؟ ما علاقة سوريا معارضة وموالاة؟ ماذا عن نيترات الأمونيوم في مرفأ طرابلس؟ أسئلة هي برسم القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية المخولة بالتحقيق وكشف الحقيقة.
almodon