هل يُكلف الحريري… فلا يؤلف ويعتذر!
قبل ٧٢ ساعة من موعد الإستشارات النيابية الملزمة في القصر الجمهوري لا تزال صورة المشاورات السياسية، التي يجريها كل من الرئيس ميشال عون والرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، ضبابية وغير واضحة، وهي تستلزم المزيد من الوقت من أجل جلاء المواقف، التي تبدو حتى الساعة متناقضة، إذ أن كل فريق سياسي يغني على ليلاه، وليس بينهم قاسما مشتركا واحدا سوى التوافق الضمني وكعنوان عريض على إنجاح المبادرة الفرنسية. أما في التفاصيل فهناك ألف شيطان وشيطان يسرحون ويمرحون.
الذين إستمعوا إلى كلام الرئيس الحريري في برنامج “صار الوقت” سجلوا أكثر من ملاحظة، وهم سيسمعونه إياها عندما يتمّ التواصل معهم، وقد تكون هذه الملاحظات محبطة له، وقد تدفعه مرّة جديدة إلى الإستنكاف والإعتذار عن قبول التكليف، لأن ما بينه وبينهم من أفكار وطروحات متناقضة قد تجعل مهمة التأليف مستحيلة، خصوصًا أن تجربة الدكتور مصطفى أديب لا تزال ماثلة أمام الجميع.
فما هي تلك الأفكار المتباعدة والمتناقضة بين الحريري من جهة وبين قوى ٨ آذار من جهة ثانية، وفق قراءة متأنية في الخلفيات والأسباب، عدا عن التباعد الظاهر بين رئيس تيار “المستقبل” وبين كل من “القوات اللبنانية” والحزب التقدمي الإشتراكي.
أولٍا، من حيث شكل الحكومة:
الرئيس الحريري يريد أن تضم بكليتها أصحاب إختصاص، أي تكنوقراط، وهو مصرّ على هذا المطلب ويعتبر أن مناقشته هو بمثابة تضييع للوقت، فيما يتجه كل من رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” والثنائي الشيعي وتيار “المردة” إلى التمسك بحكومة تكنوسياسية تمامٍا كما إقترحها الرئيس نجيب ميقاتي ورفضها الحريري في الإجتماع الأخير لرؤساء الحكومات السابقين.
وهذه نقطة خلافية جوهرية بين الحريري ومعظم الكتل والأحزاب، وهي الأساس للبناء عليه. فإذا لم يتمكّن رئيس التيار “الأزرق”من التفاهم مع من سيستشيرهم حول هذه النقطة بالذات فإن الباقي يكون تفصيلّا من غير ذي جدوى.
ثانيًا، المداورة في الحقائب:
بالنسبة إلى هذه النقطة بالذات، وإذا سلمنا جدلًا أو إفتراضُا أن الحريري يمكن أن يقتنع بصيغة الحكومة المطعّمة، فإن ثمة عقدة لا تقل أهمية عن العقدة الأمّ، وهي المداورة في الحقائب مع تسليم الحريري بضرورة إسناد حقيبة المال للشيعة، الأمر الذي يلزمه التعاطي مع الجميع بهذه الإستثنائية، وبالأخص مع “التيار الوطني الحر” بالمساواة بين الجميع من حيث المطالبة بالحقائب التي يريدونها، كذلك الأمر بالنسبة إلى تيار “المردة”.
أمّا العقدة الثالثة فتتمثل بأن كل فريق سياسي يتمسك بأن يسمي هو وزراءه، سواء أكانوا سياسيين أم تكتوقراط، على أن يختار الرئيس المكلف من الأسماء المعروضة عليه ما يراه مناسبًٍا ومنسجمٍا مع طبيعة التركيبة الحكومية.
فإذا قبل الحريري بهذه الشروط الثلاثة يّكلف ويؤلف ويأخذ الثقة، وإن منقوصة. وإذا لم يقبل فلن يُكلف، أو بالأحرى يرفض أن يّكلف مخافة أن يقال بأنه تنازل كثيرّا، وكان من السهل على مصطفى أديب أن يقبل بهذه الشروط الثلاثة، ولكان اليوم رئيس حكومة كامل المواصفات.
المصدر: لبنان 24