لبنان

في “جمهورية البنزين والمازوت”: “مرّقلي لمرّقلك”

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:

تنشط سرقة “ديبّو” البيئة من السيارات، هذه المرّة ليست عند الميكانيكي، ولا البنشرجي، بل من أشخاص إمتهنوا حديثاً مهنة تعبئة السيارات بالوقود عن الناس.

وفق أحمد، فإنه كان يستعين بأحد الشبان لتعبئة سيارته بالبنزين لقاء بدل مادي، كونه ملزماً بالعمل، وغير قادر على الوقوف بالطابور، غير أنه تفاجأ بفقدان “ديبو” البيئة من سيارته الـBM E60 والذي يتخطى سعره الـ1600 دولار أميركي “فريش”. يؤكد أحمد أن الشاب المعني اعترف بسرقة “الديبو”، وأن السيارة ليست السيارة الوحيدة التي ينزع منها “ديبو” البيئة، بل سيارات عدة، حتى انه يرفض اخذ أي سيارة لتعبئتها وقود ما لم تتوفر “الرزقة” كما وصفها، جازماً بأن قلة تكتشف الأمر، سيما وانه يتعامل مع “أشكمنجي” شاطر، يلحمه بالليرز. غير ان أحمد كشفه وأجبره على دفع ثمن “الديبو” واعادة تركيبه، مستغرباً كيف وصل الوضع الى حد البحث عن اي اداة تدرّ دولارات ولو بالسرقة، متهماً السياسة اللبنانية بما وصلت اليه احوال الناس.

كل ذلك يحصل داخل جمهورية المحطات، حيث لا قانون ولا من يحزنون، الأفضلية للسوق السوداء.

في جمهورية البنزين والمازوت، وحدها لغة المال تتحدث، ووحده قانون المحسوبيات و”مرقلي تمرقلك” يسري في داخل جمهورية فرضتها سياسات لبنان المالية المهترئة طيلة عقود.

لا حدود للفساد داخلها، فـ”التفويلة” تتطلب دفع 100 ألف “برّاني”، والوصول الى المحطة خارج الطابور يفرض عليك دفع بين الـ 50 والـ 100 الف ليرة، هذا عدا عن التلاعب بالعدادات، مستفيدين من حاجة المواطن لبضع ليترات من بنزين تتبخر بسرعة.

وعلى مرأى من القوى الامنية ومسمعها، تنشط السوق السوداء على المحطات، الاولوية هنا لمن يدفع أكثر. باتت المحطات تشرّع خراطيمها لتعبئة البنزين بالسعر الاسود الذي يحّول يوميات المواطن جحيماً يومياً، من دون ان ينبس ببنت شفة، على تخوم تلك الجمهورية تشرّع السرقة والنهب والفساد، سرقة “ديبو” البيئة من السيارات، ونهب ما تبقّى من مال لدى الناس على قاعدة “بدك تمرق بسرعة بتدفع 100 الف” حيث خصصت محطات كثيرة مساحة واسعة للأمر، وفرزت لها شبانا يستقطبون الزبائن، ومعظمهم من المغتربين، الذين زادوا من فعالية هذا السوق سواء للبنزين أو المازوت، ويدفعون أثماناً باهظة، حتى لو تخطت التنكة الـ 300 الف فهي على الدولار تساوي 16 دولاراً. كل ذلك يحصل داخل المحطات التي حددت سقف التعبئة بـ100 الف ودونها، و”التفويلة” تلزمك دفع 50 الف برّاني على احدى المحطات، هي قواعد وضعتها المحطات اليوم التي باتت الحاكم بأمر الناس، هذه الأيام، فلها الكلمة الفصل، تفرض توقيتاً للفتح، بالكاد يصل الى نصف ساعة لتعاود الاقفال بحجة نفاد المخزون، هذه الحجة تختفي امام زبون الدولار الذي تفتح له المحطة طالما سيشتري التنكة بـ200 و300 الف ليرة، حتى أن له الافضلية في المرور في ذروة الازدحام داخل الطوابير التي ارتفعت حدتها في الايام الماضية بدلا من تراجعها.

دفعت المحسوبيات والتمريقات وغيرها الى اشتداد حدة الاشكالات اليومية التي تتطور وتُستخدم خلالها السكاكين، لا يخفي مصدر متابع خطورة المرحلة الحالية والمقبلة، فالازمة مرجحة للتفاقم أكثر، خاصة وأن كل المحطات تعتمد نظام التخزين، والسوق السوداء، وتتبع نظام الفتح ساعة كحد أقصى مع وضع عدّاد سري يوقف عمل كل العدّادات فجأة ، كذريعة للهروب من تعبئة السيارات المتوقفة بالطابور. ووفق المعطيات فإن غالبية المحطات باتت تفتح كرمى لعيون المحسوبيات والميسورين، وما إن تنتهي من تعبئة سياراتهم حتى تقفل بوجه طابور المنتظرين، ضاربة بعرض الحائط انتظارهم الطويل تحت اشعة الشمس. وبحسب المعلومات، فإن نظام تركيع الناس وذلّهم يدخل في خانة اجبارهم على دفع خوة مالية لأجل عبورهم الحواجز الاسمنتية التي وضعتها معظم المحطات كحصانة لها، بعدما رتبت بيتها الداخلي القائم على تعزيز السوق السوداء لأنه مربح اكثر.

ما يجري في اروقة تلك الجمهورية تعرفه الأجهزة الأمنية جيداً، غير أنها لا توقفه لغايات في نفس يعقوبها.

مقالات ذات صلة