باسيل يمهل ميقاتي “شهراً”: “ما شفت مين مات”؟
على امتداد يوم مملّ اجترّت وقائعه مشهديات وتصاريح مستنسخة من مسلسل التكليف في جزأيه السابقين، تربّع رئيس الجمهورية ميشال عون على كرسي الاستشارات النيابية الملزمة للمرة الثالثة على التوالي منذ انفجار 4 آب، مستعرضاً تسمية رئيس مكلف جديد يتولى مهمة التأليف و”التوليف” بين مقتضيات التشكيل الدستورية و”معايير” المحاصصة السياسية التي وضعها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل شرطاً موجباً ليظفر أي رئيس مكلف بتوقيع الرئاسة الأولى على مسودته الحكومية.
ومن هذا المنطلق، أتت رسالة باسيل المشفرة للرئيس المكلف نجيب ميقاتي لتوجّه إليه إنذاراً مبكراً من مغبة المخاطرة بأن يلقى تكليفه حتفه إن هو آثر السير على خطى سلفه المتنحي سعد الحريري وقبله مصطفى أديب في معاندة نوازع العهد وتياره، فوضعه صراحةً وبالفم الملآن من على منبر قصر بعبدا أمام مهلة “أقصاها شهر” إما للتأليف أو للاعتذار، بمعزل عن منطوق النص الدستوري… ناصحاً إياه بأن “يتعظ” من تجربة إسقاط تكليف الحريري على قاعدة: “ما متت ما شفت مين مات؟”.
ورغم حيازة ميقاتي أكثرية 72 صوتاً نيابياً وغطاء “بيت الوسط” ومباركة دار الإفتاء ودعم الثنائي الشيعي، بقيت “النقزة” تتملك رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اختصر الموقف إثر لقاء رئيس الجمهورية بعبارة “العبرة بالتأليف”، تجسيداً للقناعة الراسخة بإمكانية تكرار العهد سيناريو التعطيل نفسه وإجهاض محاولة استيلاد أي حكومة لا تحاكي شروطه وتطلعاته. غير أنّ أوساطاً مراقبة رأت أنّ “هامش المناورة والتعطيل بدأ يضيق أمام عون وباسيل لمجرد إبداء “حزب الله” رغبته الصريحة هذه المرة بدخول معترك التكليف والتأليف عبر قراره تسمية ميقاتي”، لافتةً الانتباه إلى أنّ “تدهور الأوضاع دراماتيكياً في البلد بشكل بات يحاصر بيئة الحزب الحاضنة، وضعه أمام خيار قسري يقضي بالدفع قدماً نحو ولادة أي حكومة تفرمل الانهيار وتساهم في فتح باب المساعدات الخارجية “لترقيع الهريان” الحاصل تحت سطوة الأكثرية الحاكمة”.
وبهذا المعنى، تعاطت الأوساط مع قرار “حزب الله” المشاركة في تسمية الرئيس المكلف باعتباره “مؤشراً وازناً في ترجيح كفة التأليف، لا سيما وأنّ ميقاتي أصبح بذلك عملياً مرشحاً صريحاً لكتلة “الوفاء للمقاومة” ولن يكون بالتالي من السهل على باسيل تجاوز هذا المعطى المستجد واستسهال عملية الإطاحة بمرشح الحزب”، معتبرةً أنّ “التقاطعات الخارجية والداخلية هذه المرة كفيلة بتذليل العقد أمام ولادة الحكومة”.
وفي هذا السياق، برز تأكيد من ميقاتي على كونه يمتلك “ضمانات خارجية” دفعته إلى الإقدام على خطوة قبول التكليف، الأمر الذي علقت عليه مصادر واسعة الاطلاع بإعادة صياغة التعبير بشكل أدق فوضعته في خانة “الضغوط الخارجية للتأليف أكثر مما هي ضمانات خارجية للتأليف”، وأوضحت أنّ المجتمع الدولي لا يعطي “شيكاً على بياض” سلفاً لأي رئيس مكلف بمعزل عن ماهية التركيبة الحكومية التي يعتزم تشكيلها، مضيئةً في هذا المجال على تجديد باريس أمس موقفها المبدئي المتمسك بوجوب “تشكيل حكومة إصلاحية”، وإعلان الاتحاد الأوروبي أنه أبلغ المسؤولين المعنيين في لبنان “ضرورة تشكيل حكومة ذات مصداقية وتخضع للمحاسبة دون تأخير”.
ومع انطلاق الرئيس المكلف الجديد في جولة مشاوراته النيابية البروتوكولية اليوم، أشارت مصادر مطلعة على كواليس يوم الاستشارات الملزمة في قصر بعبدا أمس إلى تلمس بوادر “اجماع على ضرورة الاسراع في تأليف الحكومة”، ونقلت أنّ ميقاتي تلقى من عون “وعداً واضحاً ببذل كل جهد ممكن للتعجيل في تشكيل الحكومة”، فاتفقا خلال اللقاء الثنائي بينهما على “عدم وجود أي شروط مسبقة حول الحقائب والأسماء”.
وفي السياق نفسه، أكدت مصادر مقربة من دوائر قصر بعبدا أن “الرئيس عون توافق مع الرئيس ميقاتي على الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة، لكنهما لم يدخلا بعد في تفاصيل تركيبة الحكومة أو توزيع الحقائب أو أية مسائل أخرى مرتبطة بآلية التأليف”، مشددةً على أنّ “كل ما تردد عن وجود خلافات حول هذه الحقيبة أو تلك لا أساس له لا سيما وان البحث في تركيبة الحكومة لم يبدأ بعد بين الرئيسين”. ونبّهت إلى أنّ “الهدف من بث مثل هذه الشائعات هو إحداث جدل متعمد للاساءة الى عملية التأليف واختلاق نقاط خلافية بين الرئيسين تسيء الى مسار تشكيل الحكومة”، مبديةً في المقابل ثقتها بأنّ التعاون بين عون وميقاتي “كفيل بالوصول الى الهدف المنشود ضمن الأصول والقواعد الدستورية المعروفة”.