عيد أضحى “كئيب”.. لبنان في ذروة الانهيار والعجز!
ربما أصبحت عادةً في لبنان أن تمرّ الأعياد والمناسبات دون “بهجة” ينبغي أن تكون “ثابتتها”، بعدما أصبحت مقولة “بأيّ حالٍ عدت يا عيد” ممِلّة لكثرة استهلاكها وتكرارها، لكن، مع ذلك، بدا عيد الأضحى هذا العام أكثر “كآبة” من كلّ “أسلافه”، لأسبابٍ واعتبارات كثيرة، يتداخل فيها السياسيّ بالاجتماعيّ والصحّي.
صحيحٌ أنّ ظروف العيد تشبه بمأسويّتها وكارثيّتها أعيادًا أخرى سابقة، كان آخرها عيد الفطر المبارك قبل أسابيع غير بعيدة، إلا أنّ فتح البلد هذه المرّة، بعيدًا عن الإجراءات الوقائيّة من فيروس كورونا، “فضح” كمّ الكآبة الذي سيطر على النفوس، ومنع كلّ أجواء الفرح ولو “الوهميّ والمؤقّت”، بعيدٍ يحمل “رمزيّة” كبرى، ودلالاتٍ لا تخفى على أحد.
وقد لا تكون الظروف السياسيّة والاقتصاديّة “الآنيّة” بعيدة عن فرض جوّ “الكآبة” هذا، فالعيد لم يأتِ في “ذروة” الانهيار فحسب، مع تسجيل الدولار معدّلات قياسيّة جديدة، ولكن كذلك، في عزّ “الضياع”، مع “الإطاحة” بكلّ جهود تشكيل الحكومة، وغياب أيّ “آفاق”، أقلّه حتى الآن، للتوافق على رئيس حكومة جديدة قادر على إنجاز المهمّة بأقلّ الأضرار الممكنة.
بهجة مغيَّبة
في أول أيام العيد، سُجّلت “حركة” في الشوارع، لكنّها كما المشاورات السياسيّة العالقة منذ أشهر، بدت “بلا بركة”. ثمّة عائلات أرادت أن “ترفّه” عن نفسها، وثمّة أطفال سعوا لاختبار “بهجة” العيد، فاختاروا الاحتفال “بالتي هي أحسن”، لكنّهم اصطدموا بواقعٍ لا يشبه في أيّ من تفاصيله معنى العيد الحقيقيّ.
هكذا، غابت مثلاً ثقافة “ثياب العيد” التي لطالما شكّلت “لازمة” الأعياد، ومعها بطبيعة الحال “هدايا العيد”، وفق التقاليد المجتمعيّة المتوارثة، بعدما اختفت “عروضات” المتاجر التي كانت تتدفّق سابقًا في مثل هذه المناسبة، وبعدما تبيّن للمتسوّقين أنّ شراء حذاء مثلاً من أحد المتاجر الأساسيّة، بات يفوق في “قيمته” بعض الرواتب “الصامدة” بالعملة الوطنيّة، فكيف بالحريّ إذا أضيفت إليه باقي “العدّة”.
ولعلّ ما زاد من حجم “الكآبة” تمثّل في حجم “القلق” الذي سيطر على اللبنانيين، وحرمهم من “الاستمتاع”، وهو قلق مزدوج، صحيًا من كورونا في ظلّ التحذيرات من موجة جديدة أكثر فتكًا، بوتيرة لن تكون المستشفيات قادرة على “التناغم” معها، واجتماعيًا واقتصاديًا، في ظلّ “التبشير” بعتمةٍ شاملة، أكثر من الحاليّة، وبغلاء فاحش، علمًا أنّ كثيرين استغربوا اختيار وزارة الاقتصاد صبيحة العيد لتعلن عن “عيديّتها” للبنانيين، عبر رفع جديد لسعر ربطة الخبز.
ماذا عن السياسة؟
بخلاف اللبنانيّين الذين حُرِموا من “إجازة” عيد الأضحى، في ظلّ كمّ الهموم والشجون الذي سيطر عليهم، بدا القادة السياسيّون في “إجازة” ربما تكون مستحَقّة، بعدما أطاحوا بكلّ المبادرات والتسويات، و”جمّدوا” عملية تأليف الحكومة وأعادوها إلى المربّع الأول، دونما اكتراث لكلّ ما سبق من وضع كارثيّ ودراماتيكيّ ينذر بالأسوأ.
هكذا، لم تُرصَد حركة سياسيّة فعليّة في أول أيام العيد، وثمّة من يتكهّن مُسبَقًا أنّ أيّ حركة لن تُرصَد أيضًا في ثاني وثالث أيام العيد، ولا في عطلة نهاية الأسبوع، لأنّ الإجازة “ستُمدَّد” بكلّ بساطة، ولأنّ لا شيء يبدو مستعجَلًا بالنسبة للنخبة السياسية، التي لا تزال تتصرّف وكأنّ البلاد بألف خير، ولا شيء يستوجب الذهاب إلى مقاربة أخرى، قد يفسّرها البعض “خضوعًا” للضغوط الدوليّة التي تُمارَس على بعض الأطراف هنا أو هناك.
أما الحديث عن اتصالات نشطة في الكواليس تحضيرًا للاستشارات النيابية الملزمة التي دعا رئيس الجمهورية ميشال عون لإجرائها الإثنين المقبل، فتدحضها أيضًا التسريبات الكثيفة عن “ارتباك واضح” في مقاربتها، وسط ترجيح يكاد يرقى لمستوى “الحتميّة” لدى بعض الأوساط، من أنّ مصير هذه الاستشارات سيكون التأجيل، وأنّ يوم الإثنين لن ينتهي بتكليف رئيس حكومة جديد، سواء حصلت أم لم تحصل.
لم تعد عبارة “عيد بأيّ حال عدت يا عيد” تَفي بالغرض لبنانيًا، فهي كانت تناسب أيام “العِزّ” إن جاز التعبير، ولو أنّها لم تكن تشبه “العِزّ” بشيء، إلا أنّ المفارقة-الجريمة أنّ كثيرًا من اللبنانيين باتوا “يترحّمون” عليها اليوم، بل يتمنّون العودة إليها اليوم، في نموذجٍ آخر على ما فعلته الطبقة السياسية بالمواطنين، لدرجة منعهم من أبسط حقوقهم، وهو “الحلم بغدٍ أفضل”، لا أكثر ولا أقلّ!
lebanon24