مقايضة جديدة في لبنان: “بعطيك مازوت بتجبلي ميّ؟”
كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
لم تمنع تطمينات المسؤولين حيال أزمة المحروقات طوابير المواطنين أمام المحطات، او تحدّ من التهريب أو نشاط السوق السوداء حيث الأسعار الجهنمية، ولم تخفّف الوعود التي تلقّاها تجمع أصحاب الصيدليات بتأمين الأدوية بدءاً من اليوم أوجاع الناس التي وصلت حدّ الموت لعدم توفر العلاج.
على حبل الوعود يعلّق الناس أمانيهم، ويعيشون يومياتهم التي اصبحت لا تشبه سابقاتها بل تزيد عليها سوءاً وتراجعاً في الإمكانيات المادية وصعوبةً في تأمين المستلزمات الحياتية من خبز ومأكل ودواء، حتى أصبح العديد منهم على شفير الهاوية ينتظر اللحاق بمن سبقه إلى جهنم التي عادت بهم إلى حقبةٍ ظنّ اللبنانيون أنها ذهبت إلى غير رجعة. فإستخدام الشمع للإضاءة عاد السبيل الوحيد في ظل إنقطاع الكهرباء وتقنين الإشتراك والذي قد يلحق بالأولى إذا لم يتوفر المازوت، والعودة إلى توضيب الأكل وتعليقه في الأسقف ليحافظ على برودته وخوفاً من فساده سيما أن الوجبة اليوم باتت تكلّف كثيراً ويصعب تعويضها، وما بينهما إستخدام الأعشاب وكمادات المياه بديلاً عن الأدوية ومخفّضات الحرارة.
فقد استمرّ اقفال عدد من محطات المحروقات في بعلبك الهرمل أمام المواطنين بالرغم من تباشير الخير التي أطلقها عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس بتحسن الزحمة بسبب تفريغ حمولة الباخرتين، حيث تواصل الطوابير انتظارها أمام عدد من المحطات التي تفتح يومياً لتأمين حاجات المواطنين وفق التسعيرة الرسمية، في حين لا تزال المحطات التي أقفلت أبوابها منذ بدء أزمة المحروقات على حالها. وفيما يرفض البعض التزوّد بكميات قليلة لا تسدّ حاجات الناس لساعات، تستحصل أخرى على كميات كبيرة يومياً تفرغها في خزاناتها وتبيع منها ما تيسّر، على أن تحتفظ بالباقي تحسّباً لرفع الأسعار خلال المرحلة المقبلة وبالتزامن مع الإرتفاع التدريجي لسعر صفيحة البنزين الذي يصدر كل أسبوع، وللغاية تلك عمدت بعض المحطات إلى إنشاء خزانات إضافية في محطاتها للتخزين.
وإذا كانت مادة البنزين تتوفر ولو بعد طول إنتظار، فإن أهالي بعلبك الهرمل يعانون من فقدان مادة المازوت التي تؤثر على مجريات الحياة بشكل عام، بدءاً من المواسم الزراعية وليس إنتهاء بالمولدات الكهربائية وبالمياه. فالآبار الارتوازية في المشاريع الزراعية وسهل البقاع، إضافةً إلى القرى التي تعتمد على الأشجار المثمرة تعاني صعوبة في تأمين المازوت الذي يصل سعر الصفيحة منه، بحال توفر في المحطات التي تفتح أبوابها الى 80 ألفاً واحياناً أخرى الى 100 ألف، ما يكّبد المزارعين واصحاب المحاصيل الزراعية تكاليف إضافية لا يمكن زيادتها على الكلفة الإنتاجية، وأسعار الفواكه والخضار التي يتحكّم بها السوق وتجار الجملة ويتحمّل المزارع وحده الخسارة.
فقدان المازوت ينسحب أيضاً على تأمين مياه الشفة وغيرها التي تؤمّنها الصهاريج إلى المنازل في هذا الجو الحار، حيث يعاني أصحاب الصهاريج من تأمين المازوت والبنزين معاً، ويروي أحمد ع. قصّته مع إنقطاع المياه، حين إتصل بصاحب أحد الصهاريج لتأمين المياه لمنزله، فاشتكى الأخير من عدم توفر المازوت لديه لتشغيل جرّاره الزراعي الذي يشدّ الصهريج، فاقترح عليه أحمد أن يؤمن له المازوت من منزله مقابل أن يؤمن له المياه، وهكذا تمت عملية المقايضة، وهي التي قد تنسحب على مجريات الحياة ككل إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه.
وما بين المياه والزراعة عانت مدينة بعلبك وكافة بلدات وقرى محافظة بعلبك الهرمل تقنيناً قاسياً في التيار الكهربائي خلال اليومين الماضيين بعد توقف معملي دير عمار والزهراني، وعمد أصحاب المولدات إلى تقنين اشتراكهم الذي وصل إلى 12 ساعة في اليوم حفاظاً على استمرارية تأمين الكهرباء للمواطنين وصعوبة تأمين المازوت، ناهيك عن رفع تسعيرة الاشتراك الشهرية التي دفعت بكثيرين إلى قطع اشتراكهم، لعدم قدرتهم على تحمّل تكاليف إضافية في ظل الأزمة التي نعيش.