“دفش” سيارته إلى المحطة… وبكى!
كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
لم يستطع محمد تأمين البنزين لسيارته، معظم المحطات مقفلة، والتي فتحت شهدت طوابير على مدّ النظر. سائق التاكسي بات يمضي وقته متنقّلاً باحثاً عن بنزين بدلاً من بحثه عن زبون يقلّه ليجني رزقه.
هذه المرة خذله البنزين، نفد وهو في صف الذلّ، كان يدفش سيارته ليصل الى المحطة التي تبعد مئات الأمتار عنه، فهو ليس من فئة تصلها تنكة البنزين بسهولة، ولم تُخصّص لها محطات لتسهيل عملها، بل يقسم نهاره 5 ساعات في انتظار الطابور، و4 ساعات عمل. بات غير نافع في بلد الازمات والمحسوبيات، يكاد أن يبكي من شدّة معاناته “ليش عم بيذلّونا هيك”، ويسأل: “لماذا لا يعامل السائق اسوة بالضابط والطبيب؟ أنا أعمل لأعيش، ما أجنيه طيلة النهار بات لا يكفي سعر تنكة بنزين، فيما التعرفة على حالها”. كان يتوقع أن تخصص لهم الدولة بنزيناً مدعوماً ليحافظوا على عملهم، غير انه يقول “عالوعد يا كمون، الدولة التي تشرّع السوق السوداء والبنزين الأسود، لن تنظر بحال المستضعفين”.
يعاني سائقو السيارات والفانات العمومية صعوبة في تأمين مادة البنزين، فالسائق يضطر للانتظار في طابور الذلّ أكثر من ٥ ساعات لملء خزّان سيارته أو فانه بـ70 ألف ليرة، هذا عدا اضطراره للانتظار، وفي نهاية الامر يطفئ صاحب المحطة محرّكات ماكيناته ويعلن انتهاء دوام التعبئة “رجعوا بس نفتح”، ما يضعه بين فكّي كماشة الفقر والتعتير، وسندان تحكّم عدد كبير من أصحاب المحطات بمصير لقمة عيش من يعتمدون على العمل اليومي في معيشتهم.
يصرخ السائق العمومي أبو محمود “ممنوع تسكّر قبل ما تعبيلي الفان”، لم يجد سوى صراخه للتعبير عن غضبه، فهو اضطر للوقوف 5 ساعات في الطابور بإنتظار دوره، وما ان وصل حتى أُعلن نفاد المخزون. بكى أبو محمود لسوء حظه، فهو لا يملك واسطة ليدخل عكس السير الى المحطة، ولا من يدافع عن حقه في حصوله على البنزين من دون منّة الانتظار، “أنا عايش ع باب الله، بس يذلّونا بهيدي الطريقة الله ما قالها”. تؤكد كلماته حجم معاناته، فهو كان يتوقّع ان تحل الازمة، وتشرّع كل المحطات ابوابها امام السيارات. وِفق قوله: “أعلنوا بالامس عن تسليم 12 مليون ليتر للمحطات، ظننت أنني سأصل وأملأ خزان سيارتي بسرعة، غير أن حكي التلفزيونات مغاير عن لغة الواقع، الازمة لا زالت على حالها”.
يواجه سائقو السيارات العمومية صعوبة كبيرة هذه الايام، فهم باتوا كبش محرقة الازمات، يصارعون وحدهم في الواقع، لم تؤمن لهم النقابة محطة خاصة بهم لتعبئة خزاناتهم كما حصل في بيروت، ظلوا رهينة الطوابير، فيما عملهم كسائق تاكسي بات لا يطعم خبزاً. وفق أبو مجد، فإنه يضطر للعمل من السابعة صباحاً حتى الخامسة عصراً على خط قرى النبطية لينتج 100 ألف لا تكفي تنكة بنزين، “يعني عم نشتغل لنعبي بنزين”، وأكثر ما يؤلمه أنهم يعاملون كمواطنين فئة خامسة، “لا أحد يهتم لمعاناتنا”، ويجزم بأن السائق العمومي “بات أكثر الفئات فقراً في هذا البلد، فأي عطل في السيارة او الفان يكلّف ما فوق المليون ليرة، في وقت بالكاد نجني يومياً بين 100 و200 ألف ليرة تذهب الى شراء البنزين، الذي عادة ما ننقطع منه وأضطر لدفش السيارة”.
بدأت صرخة “الشوفيرية” تخرج للعلن، ومعاناتهم تكبر مع تزايد حدة الازمات التي طالت كل شيء الا تعرفة التاكسي، بقيت 4000 ليرة، في حين ان ربطة الخبز بـ4000 ليرة، وقنينة العصير بـ6000 ليرة، ما يعني أن الغلاء المحيط بهم سيدفع بهم لرفع التعرفة تلقائياً من دون قرارهم، لأنه وفق قولهم “أي تصليحة تحتاج ميزانية عالية، ما يعني أن الشوفير اليوم اما يستغني عن عمله ويركن سيارته، أو يضغط باتجاه تحصيل حقوقه التي يلخّصها ياسر بنقطتين: “بنزين مدعوم ضمن محطات خاصة بالسائق، عوضاً عن ذلّنا اليومي، أو رفع التعرفة، وعدا ذلك فإن الدولة تسهم في انهاء قطاع التاكسي في لبنان الحلقة الأضعف”.
وفق المعلومات، فإن هناك مساعي جدّية لدى نقابة السائقين مع وزير الداخلية للاخذ بالتوصيات المرفوعة ومطالب السائقين، وتؤكد المعلومات أن الوزير وعد بدراسة الملف، لأنه من غير المقبول ان يمضي السائق يومه في طابور الذل بدلاً من العمل، فهذا يؤثر على دورته الاقتصادية اليومية سيما وأنه يعتمد على التاكسي ليعيش، فإذا لم يعمل معناه المزيد من الكوارث الاجتماعية التي باتت تهدد المجتمع والامن الاقتصادي. وتؤكد المعلومات إنه في حال لم ينظر بحال هذا القطاع وبقي السائق مهمّشاً، قد تدفع به الاحوال الى تحركات في الشارع لان الجائع حين يثور لن يوقف ثورته شيء، فهل تفك الدولة اسر السائق بالبنزين المدعوم، ام يبقى على محطات الذل مقطوعاً؟