الجو السياسيّ يؤثّر على الوضع القضائي: هل يتأثّر التحقيق؟
كتب نذير رضا في “الشرق الأوسط”:
تدرس هيئة مكتب المجلس النيابي اللبناني ولجنة الإدارة والعدل طلب رفع الحصانة عن ثلاثة نواب يوم الجمعة المقبل، ليتمكن المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار من استجوابهم، في وقت ظهرت أول مؤشرات الانتقاد السياسي لعمل المحقق العدلي على لسان أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله الذي ألمح إلى «توظيف سياسي للقضية».
ودعا رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس إلى عقد جلسة مشتركة لهيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل يوم الجمعة المقبل في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة لدرس طلب رفع الحصانة الذي ورد من وزارة العدل بموضوع تفجير المرفأ.
ويستوجب استجواب النواب الثلاثة علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق، رفع الحصانة عنهم من البرلمان، وبعث المحقق العدلي بطلب إلى البرلمان وفق الآليات القانونية عبر وزارة العدل لاستجوابهم. ويفرض الدستور أن يمر الطلب عبر هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة بالعدل قبل عرضه على الهيئة العامة لمجلس النواب.
ويأتي ذلك في ظل تشكيك بالإجراء الذي اتخذه المحقق العدلي من خلفية تسريب المعلومات عبر الإعلام قبل تلقي المدعى عليهم خطابات رسمية وفق الآلية القانونية، وجاء أول الشكوك على لسان أمين عام «حزب الله» الذي «أسف لأن يعرف المدعى عليهم في قضية مرفأ بيروت الأسماء عبر الإعلام»، معتبراً أن ذلك «شكل من أشكال التوظيف السياسي الذي نرفضه». وقال إنه «سيترك التعليق لوقت آخر حتى تصل الإخبارات القضائية الحقيقية، لكي نرى صحة ما تم تداوله وتسريبه في وسائل الإعلام».
ويخالف تصريح نصر الله قناعات قوى سياسية أخرى رفضت التعليق على أي شأن مرتبط بالملف القضائي، وقالت مصادر نيابية في «القوات اللبنانية» لـ«الشرق الأوسط» إنها ترفض الدخول بأي سجال أو إبداء أي موقف بملف قضائي أو قانوني، داعية إلى ترك القاضي يعمل، وإلى تخفيف التعليقات والسجالات حول عمله.
ويرى رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق القاضي غالب غانم أن الكلام حول الأمور الشكلية لجهة تسريب الأنباء حول الاستدعاءات قبل سلوكها المسار القانوني «تؤثر على المسار شكلياً وإعلامياً، ولكن لا تؤثر على مسار الطلب نفسه»، مشدداً على أن «ما بدأه المحقق العدلي يقتضي أن يكمل على الأسس القضائية الدقيقة التي تراعي الشكليات وحقوق الدفاع» عند الوصول إلى تلك المرحلة. ولا ينفي غانم أن «تأثير الجو السياسي على الوضع القضائي موجود في لبنان، خصوصا عندما تكون الجريمة على هذا المستوى، ولا يستبعد أن تكون هناك محاولات للتأثير، ظاهرها صحيح لناحية دعوة المحقق العدلي إلى مراعاة الشكليات، وتهدف في المضمون إلى التشويش عليه». ويقول: «في المبدأ، لا تنزيه للسياسي عن محاولات التدخل بالقضايا القضائية».
ويقتضي التبليغ في العادة أن يسلك ذلك مساراً إدارياً من المحقق العدلي إلى النيابة العامة التمييزية ومنها إلى وزارة العدل التي تخاطب مجلس النواب للمضي بالإجراءات المتصلة برفع الحصانة عن النواب بهدف استجوابهم، أو إلى المراجع المختصة الأخرى للحصول على الإذن لاستجواب شخصيات تتبع إدارياً لها. لكن ما حصل أن الإعلان سبق المسار الرسمي للأمور، وتداوله الإعلام قبل أن يصل طلب المحقق العدلي رسمياً للمرجع الرسمي وهو النيابة العامة التمييزية ووزارة العدل، وهو ما أثار الانتقاد حول الشكل.
وقال غانم إن الخطأ ليس بالضرورة أن يكون قد ارتكبه المحقق العدلي، لافتاً إلى أن «التحقيقات يجب أن تكون سرية والتسريبات بهذا المعنى ليست قانونية، إنما هو واقع قد حدث»، لذلك يرى أن التأثير قد يكون إعلامياً لناحية ما حدث، ولكن لن يؤثر على مسار الطلب، الذي سلك طريقه وفق المسار القانوني إلى مجلس النواب.
وبالاضافة إلى التسريبات، كان نصر الله انتقد المحقق العدلي في الملف القاضي طارق البيطار وسلفه القاضي فادي صوان، قائلاً إنه «على مدى سنة وأشهر طالبنا قاضي التحقيق السابق والحالي، بنشر الملف التقني والتحقيق الفني حول هذه الحادثة المهولة. وحتى الآن لا حياة لمن تنادي». وقال: «حتى الآن لا حديث عن الحقيقة، حتى لعوائل الشهداء لمعرفة كيف قتل أبناؤهم»، وتساءل عما إذا قتلوا «نتيجة عدوان أو صاروخ إسرائيلي، أو متفجرات أو استخدام من المقاومة للمخازن في المرفأ؟ وهل بسبب الإهمال أو التقصير؟ وهل توجد وحدة معايير أو لا، وهل ثمة عمل قضائي حقيقي أم استهداف سياسي؟»، وأضاف «حينئذ يُبنى على الشيء مقتضاه».