وعودٌ بالإنفراج خلال يومين… هل تُحلّ “نقمة” اللبنانيين فعلاً؟
كتب خضر حسان في “المدن”:
لمحطات المحروقات يوميات درامية تتحوّل إلى مرعبة في معظمها. فقد قفزَت التهديدات من الطوابير الممتدة لمئات الأمتار وأحياناً لبضعة كيلوات من الأمتار، إلى تضارب بالأيدي، وصولًا إلى الرصاص والسكاكين. ما دفع غالبية أصحاب المحطات للاستعانة بـ”قبضايات” من الجوار، لحماية المحطة وتنظيم الطوابير. ومع ذلك، لم تنتهِ المشكلة جذريًا، وإنما تراجعت من دون تراجع الضغط على المحطات.
الحل خلال يومين
منذ نحو أسبوعين، والناس ينتظرون حلحلة أزمة المحروقات “خلال يومين”. ففي “اليومين المقبلين. سيشهد السوق انفراجات”، هكذا قال الجميع، ونَفَى السوق ذلك، إذ تعثّر تأمين الاعتمادات الدولارية اللازمة للاستيراد من قِبَل مصرف لبنان، فتأخّر إفراغ البواخر الراسية قابلة الشاطئ. في المرة الأولى سبع بواخر، وفي الثانية ستّ بواخر.
في اليومين المقبلين، بتنا نحتاج لمعجزة. وزمن المعجزات ينام بين صفحات الأساطير، فوحدها الدولارات ووقف التهريب ينفعان. وينفع أيضًا وقف الدعم كليًا، لكن تداعيات هذا الخيار كارثية، إذ سيتبعه تحليق لسعريّ الدولار والمحروقات.
ومع ذلك، يؤكّد عضو نقابة أصحاب المحطات، جورج البراكس، أنه “في اليومين المقبلين بداية تخفيف الأزمة”، ويعزو البراكس السبب، خلال حديث لـ”المدن”، إلى أن “البواخر التي وصلت أخيرًا لم تفرغ كامل حمولتها بسبب عدم فتح الاعتمادات. فما زال هناك باخرتان في البحر تنتظرنا الإفراغ، ومن المرجّح أن تنتهِ العملية يوم الاثنين”. ويضيف، أن “المحطات تستقبل المخزون، وستفتح أبوابها مطلع الأسبوع المقبل”.
مناطق الأطراف متضرّرة
يُوَزَّع في السوق يوميًا “بين 10 إلى 12 مليون ليتر، تستفيد المحطات التابعة لشركات الاستيراد، من الحصة الأكبر، فيما تتوزّع الكميات الأخرى على باقي المحطات، وتتركّز بين بيروت وجبل لبنان. أما محطات الأطراف في الجنوب وعكار والبقاع، فتعاني من شح كبير، يفاقم التهريب من تداعياته”.
أزمة الأطراف عززتها دوريات القوى الأمنية، التي أجبَرَت المحطات على فتح أبوابها وبيع كامل مخزونها، فأقفلت على وعدٍ بتسَلُّم المحروقات، ولم يفِ أحدٌ بالوعد، ولم يبدأ التسليم “سوى يوم الخميس الماضي، حين جرى توزيع نحو 11 مليون ليتر بوتيرة طبيعية، ومن المنتظر أن يتأثر السوق بالكميات التي تُوَزَّع”.
لا ينفي البراكس قوة غياب عامل الثقة بين المواطن والدولة، التي تستظل المحطات لتضرب المواطن الذي لن يثق بأن يوم الاثنين هو موعد تخفيف الأزمة. وصاحب المحطة لن يتخلّى عن قبضاياته ليحمي نفسه.
دولارات المغتربين بدورها تساهم في إنعاش الأزمة، وتحديدًا في ما يخص السوق السوداء. فالمغتربون يشترون الوقت والراحة بليرات فقدت قدرتها الشرائية بالنسبة إلى دولاراتهم، فلا يقفون في الطوابير، ويشترون المحروقات من السوق السوداء، ويشجّعونها. فيشترون الـ10 ليتر بنزين، بكلفة تتراوح بين 150 و250 ألف ليرة، أي أن الصفيحة 20 ليتر، يتراوح ثمنها بين 300 و500 ألف ليرة، وأحيانًا تفوق هذا الرقم، حسب المنطقة والزبون وقدرته الشرائية. والـ500 ألف ليرة تساوي اليوم نحو 29 دولار، أي نحو 44 ألف ليرة بالسعر الرسمي. والصفيحة بهذه الحالة لا تزال مدعومة بالنسبة لدولارات المغتربين.
لا حل في الأفق، بل استمرار الأزمة هو النتيجة الحتمية التي تريدها المنظومة الحاكمة لتبرير رفع الدعم عن المحروقات. وإلى حينه، تبقى أزمة المحروقات نقمة بالنسبة للقلة الفقيرة والمقيمة في لبنان، ونعمة بالنسبة للمغتربين والسياح والدبلوماسيين الأجانب.
فسفيرة كندا في لنبان شانتال تشاستيناي غرَّدَت عبر “تويتر”، معربةً عن سعادتها بتجربة الانتظار في الطوابير، حيث أشادت بالتزامها بالطابور، معتبرة إياه مشهدًا حماسيًا، وهو كذلك بالنسبة لمن لا يحمل أثقالًا معيشية يومية. فبالنسبة للسفيرة، فإنها “أخيرًا” وقفت في الطابور “بصبر، كالجميع”. وكأنّ رصاص الاشكالات على المحطات أو طعنات السكّين هي من ضمن “المقبّلات” والمحسّنات الضرورية لاكتمال المشهد المريع، الذي لم يعد ينفع معه سوى إعلان حال طوارئ للمحروقات، ومن خلفها حال طوارئ للبلد بأكمله.