“انهيار تام”.. تحذيرات بري “مشروعة” و”العونيون” يعترضون
“إذا اعتذر الرئيس المكلَّف سعد الحريري سيكون انهيار تام”. بهذه العبارات، جدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري تمسّكه بـ”صديقه” رئيس “تيار المستقبل” في رئاسة الحكومة، لكونه “يحظى بتأييد جمهور طائفته ودار الفتوى ونادي رؤساء الحكومات السابقين”، إضافة إلى النواب وفق ما ظهر في الاستشارات، وخلال مناقشة رسالة الرئيس ميشال عون.
لم يكتَفِ برّي بذلك، بل عبّر عن “مخاوفه” على الوضع الأمنيّ في حال اعتذار الحريري، باعتبار أنّ البلد لا يحتمل برأيه انتخابات نيابية، قد يسبقها “الانهيار التام”، مبشِّرًا في الوقت نفسه “المراهنين” على اعتذار الحريري توازيًا مع “ضوء أخضر” من جانبه عبر إعلانه “سقوط” مبادرته، بأنّهم “سينتظرون طويلًا”.
وإذا كانت تصريحات بري جاءت لتؤكّد المؤكَّد برأي كثيرين، خصوصًا أنّ القاصي والداني يدرك أنّ رئيس مجلس النواب هو من أقنع الحريري بـ”صرف النظر” عن الاعتذار، فإنّها لم تنزل بردًا وسلامًا على الجمهور “العونيّ”، الذي رفض “استنساخ” التاريخ، عبر استعادة مقولة “الضاهر أو الفوضى”، مع استبدال الأول بالحريري.
اعتراضات “عونيّة”
من هذه المعادلة بالتحديد، ينطلق “العونيّون” في رفضهم لكلام برّي، ولو أنّ أيّ مواقف رسميّة لم تصدر عن قيادة “الوطني الحر” بهذا الخصوص، وهي لن تصدر على الأرجح، عملاً بـ”التهدئة” التي نجح “حزب الله” في تثبيتها إعلاميًا، منذ السجال “الناريّ” بين بعبدا وعين التينة، وإن أخفق بطبيعة الحال في “تكريسها” في النفوس، في ضوء “الكيمياء المفقودة” بين الجانبين على أكثر من صعيد.
بالنسبة إليهم، فإنّ معادلة “الحريري أو الفوضى”، وفق الشعار الذي أطلقوه على كلام برّي، والذي كان الأميركيّون سبّاقين في إطلاقه قبل سنوات، “يختزل” المسألة، لا سيّما وأنّ رئيس مجلس النواب يصرّ مرّة أخيرة على الحريري، مرشّحًا وحيدًا لا غني عنه ولا ثاني له لرئاسة الحكومة، رغم وجود الكثير من الشخصيات السنّية القادرة، وربما الأهمّ، المستعدّة لقيادة المرحلة، وتأليف الحكومة، بدل ترك البلد “رهينة” مزاجيّة من هنا أو هناك.
لكن، بمُعزَل عن هذا “الشعار” الذي يكرّره “العونيّون” بين الفينة والأخرى، ويذهبون لحدّ الحديث عن “بدائل” جاهزة، يدركون أنّ “مصيره” سيكون في أفضل الأحوال شبيهًا لحسّان دياب الذي عانى “الأمرَّين” في حكومة عجزت عن تحقيق “إنجاز يتيم”، يبقى “الاعتراض” الأساسيّ عند “العونيّين”، كما يقرأ بعض العارفين، هو في إعلان الرئيس بريّ أنّ مبادرته مستمرّة، وأنّ “لا اعتذار”، مبدّدًا بذلك كلّ “الآمال والأماني”.
تحذيرات “مشروعة”
لكن، إذا كان “العونيّون” يرفضون معادلة “الحريري أو الفوضى”، انطلاقًا من أنّ البلد لا يختصر على شخص واحد، وأنّ الحريري، ولو كان يمتلك الحيثيّة المطلوبة، إلا أنّه لا يحظى بـ”الإجماع”، لا محليًا ولا دوليًا، فإنّ التحذيرات من “الفوضى والانهيار” التي أطلقها برّي تبقى أكثر من “مشروعة”، في حال اعتذار الحريري، وربما من دونه حتّى.
يقول البعض في هذا السياق، إنّ البعض في فريق “العهد” لا يزال يمارس، بشكل أو بآخر، سياسة “الانفصام عن الواقع”، فهو مُصِرّ على خوض ما يصفها بـ”معركة حقوق المسيحيّين”، مركِّزًا إياها على وزير بالزائد أو بالناقص، أو حقيبة يعتبرها “دَسِمة”، فيما المسيحيون، ومعهم اللبنانيون أجمع، يخوضون معركة “وجود”، يرى الكثيرون أنّ “العهد القوي” تسبّب بها، وهو الذي كان أول “المبشّرين” ببلوغ “جهنّم”، الأمر الذي تحقّق في نهاية المطاف.
من هنا، قد يكون تمسّك الرئيس برّي بالحريري، لأنّه برأيه “الأنسَب” في هذه المرحلة، لما يمتلكه من “حيثيّة” سياسيّة وشعبية، وبالنظر إلى “توافق” رؤساء الحكومات السابقين، إضافة لدار الفتوى، على دعمه، لكنه قبل ذلك، تمسّك بـ”الفرصة الأخيرة” التي تمثّلها مبادرته، القائمة على حكومة برئاسة الحريري، خصوصًا أنّ اعتذاره وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر لن تؤدّي سوى إلى “تعقيد” الأمور، في وقت لا يبدو أنّ “ترف” الوقت في يد أيّ من الفرقاء.
كان من الطبيعيّ أن لا يرحّب “العونيّون” بتصريحات برّي، بعدما نزعوا عنه صفة “الوسيط الحياديّ”، وأطلقوا “رصاصة الرحمة” على مبادرته، لكنّها رصاصة لم تَبدُ “قاتلة” أقلّه وفق صاحبها نفسه. يحمّلون رئيس المجلس مسؤولية تفويت فرصة “اعتذار” الحريري، “اعتذار” يبدو أنّهم لا يزالون ينشدونه رغم كلّ شيء، لاقتناعهم بـ”استحالة” المساكنة بين الرئيس عون، ومن خلفه الوزير باسيل، والرئيس المكلّف، حتى لو تشكّلت الحكومة!