ماذا ينتظرنا على صعيد كورونا في لبنان؟
كتب وليد حسين في “المدن”:
تتصاعد التحذيرات من متحورات كورونا، والتي كان آخرها متحور دلتا الهندي، الذي بات منتشراً ليصبح الطاغي عالمياً، وصنف كمتحور يستدعي القلق. وحيال توافد المسافرين، وتحول المطارات في العالم إلى منطلق لتفشي الوباء، هل وصل هذا المتحور إلى لبنان؟ وهل من فحوص تجرى بهذا الشأن؟ وماذا عن خطورة هذا المتحور وفعالية اللقاحات؟ وهل الإجراءات المتخذة كفيلة بمنعه؟ وكيف يمكن تفعيلها لمواجهة أي موجة جديدة؟
أسئلة توجّهت بها “المدن” إلى رئيس قسم الأمراض الجرثومية والمعدية في مستشفى جاورجيوس (الروم)، وعضو اللجنة التنفيذية للقاحات في وزارة الصحة، عيد عازار.
ووفق عازار، كورونا بالتعريف هو مرض متحورات لأنه في تغير دائم. هو في طبيعته لديه قدرة على تغيير جيناته بشكل مستمر. مرة ينتصر ويصبح له قدرة على سرعة الانتشار، ومرة ثانية يضعف. لذا، يصعب توقع مستقبله، لأن لا يمكن توقع كيفية تغيير جيناته. ففي الدانمارك انتقل الفيروس من الإنسان إلى حيوان الفرو، وعاد الأخير ونقله إلى الإنسان. لذا يصعب توقع كيفية تغير وتحور الفيروس. في المقابل، ثبت أن المناعة المكتسبة ليست صفراً بل لها قيمة وتحمي. واللقاح يحمي، والدليل انخفاض الوفيات في لبنان وعالمياً. لكن لا نعرف مدة الحماية وإلى متى ستستمر. نحن في صراع مع الفيروس: من ناحية نبني مناعة ضده، ومن ناحيته يغير في جيناته ليحتال على المناعة.
هل أجريت فحوص حول متحور دلتا ومدى انتشاره في لبنان، كما فعلتم عندما انتشر المتحور الإنكليزي؟
– لا يوجد لهذا المتحور فحوص بي. سي. آر. خاصة به بعد. في لبنان يمكننا فحص المتحور الإنكليزي. أما فحص التسلسل الجيني فمعقد، وغير متوفر، وكلفته باهظة، وتصل إلى ألف دولار نقدي. ولا أحد قادر على تكبدها لفحص المسافرين. فلا يمكن أن نقوم بفحص الجميع، لأن هناك احتمالاً بأن تفحص مئة شخص، ويتبين أن لا أحد مصاباً بينهم بالمتحور الهندي. هي أشبه برمي شبكة في البحر، ولا تعرف إذا كنت ستصطاد الشخص المصاب. فعندما ترتفع الإصابات في المطار عددياً ونسبياً، قياساً بالحالات الكلية، تتخذ قراراً بفحص الأشخاص الوافدين من منطقة معينة لمعرفة إذا كانوا مصدراً للمتحور الهندي مثلاً. وعندما تلاحظ أن عدد الإصابات من منطقة ما مرتفعة، تفحص المصابين وحسب لمعرفة نوع المتحور. لذا ننتظر التوصل إلى صنع فحص بي. سي. آر. خاص بهذا المتحور، أسوة بما حصل مع المتحور البريطاني. فهو مثل البي سي آر العادي، لكن له خاصية اكتشاف إذا كان متحوراً هندياً أم لا.
يكاد لا يمر يوم ولا يكتشف إصابات بين الوافدين إلى لبنان. وأحياناً يكون العدد كبيراً. هل إجراء الفحوص كافياً؟ وماذا عن العزل في الفنادق؟
– طالما أن الفحوص في المطار قائمة، فهذا الإجراء جيد في الترصد. وقد قمت بحرب استباقية هذه المرة وحذرت من إلغاء الفحوص، عندما سمعت أن البعض يريد إلغاءها في المطار. لا يمكن وقف الفحوص. وبمعزل إذا كان المتحور هندياً أو تركياً. فعبر الفحوص في المطار نستطيع معرفة إذا كان الوافد مصاباً أم لا. وبهذه الفحوص لدينا قدرة أقله سبعين بالمئة على الكشف المبكر والسيطرة على الوباء.
أما العزل فيمكن أن يكون من دول محددة. لا يمكن عزل الجميع. ولهذا الإجراء كلفة كبيرة، لأنه يقوم على حجز الفندق لسنة كاملة من وزارة الصحة. لذا، يمكن الاستعاضة عنه بفحص بي. سي. إر. للمسافر بعد أربعة أيام على دخوله إلى لبنان. ففي حال كان المسافر في فترة حضانة الفيروس، ولم يكتشف في فحص المطار، فبعد أربعة أيام سيكون في الفترة التي تسمح بتشخيص الإصابة.
ما المانع من اتخاذ هذه القرارات إذاً؟
– بكل بساطة، وحدة الترصد الوبائي في وزارة الصحة. اعتماد الفحص بعد أربعة أيام يعطي البلديات والصليب الأحمر دوراً أساسياً في متابعة المسافرين في مكان الإقامة. لذا، يجب أن تستلم البلديات هذه الإجراءات. فلا يمكن للترصد الوبائي متابعة هذه الأمور أفضل من البلديات. فالأخيرة تهتم أكثر من غيرها في عدم انتشار الوباء في نطاقها البلدي، وستعمل على متابعة المسافرين. حتى أن موظفي البلديات سيهتمون أكثر من غيرهم لأن الأمر يعنيهم، عوضاً عن انتظار موظفي وزارة الصحة للقيام بهذه المهمة.
لكن وحدة الترصد الوبائي تتحجج بأن بيانات المرضى مركزية، وملك وزارة الصحة العامة. وهذا غير منطقي في التعامل مع الوباء. وتتذرع بكلفة هذا الإجراء المرتفعة لناحية الفحوص للمخالطين في فترة انتظار المسافر نتائج فحص المطار، أو الفحص الذي يجرى له في اليوم الرابع.
ويضيف: قد يكون للأمر كلفة مالية، لكنها أقل بكثير من كلفة إيجار فندق سنوياً لعزل الأشخاص، ولا أحد يعلم إذا كان المسافر يلتزم بالمكوث فيه أو يعقد صفقة مع الفندق للذهاب إلى بلدته. كما أن هذا الإجراء لا يسهل توافد السياح القادمين بغية المكوث لفترة قصيرة في لبنان. أما حجج مخالطة المسافر لأهله فغير منطقية. فحتى لو تبين أن هذا المسافر فحصه موجب بعد أربعة أيام، يمكن فحص المخالطين وينتهي الأمر. وحالياً عدد الفحوص الموجبة بين المسافرين قليلة. ففي أقصى الحالات يصل عدد الإصابات إلى أربعين حالة من آلاف الوافدين يومياً.
هل المناعة التي توفرها اللقاحات فعالة على هذه المتحورات؟ وهل نسبة التلقيح الحالية كافية؟
– لا يمكن توقع مدى استجابة اللقاحات مع المتحورات، إلا إذا وجد مجتمع تلقح بشكل كبير وتعرض لمتحور جديد وشكل له موجة وبائية جديدة. وهذا لم يحصل بعد. هناك مجتمعات تلقحت بشكل كبير وأتى المتحور الهندي، مثلما هو حاصل في بريطانيا، حيث ارتفع عدد الإصابات. لكنه لم يشكل موجة وبائية بعد. بالتالي، لا يوجد جواب حاسم حول فعالية اللقاحات مئة في المئة، ولا يوجد جواب بأن فعالية اللقاحات صفر. لكن عندما تستثمر أميركا ثلاثة مليارات ومئتي مليون دولار لتطوير دواء لمرض كورونا، فهذا يعني أنهم يقولون إن اللقاحات وحدها غير كافية. فلو كانت اللقاحات كافية لوحدها لماذا تنفق أميركا هذه المبالغ على دواء؟ لذا، من المتوقع أن يتعايش الإنسان في السنوات الأربع المقبلة مع الأمراض والالتهابات التي يسببها كورونا، وذلك عبر التشخيص المبكر، من خلال الفحوص التي يجب عدم وقفها بتاتاً، ومن خلال عزل المخالطين، وعلاج المرضى بالدواء عندما يتوفر، وتلقيح أكبر عدد ممكن من السكان.
أما السؤال حول فعالية اللقاح وإذا كان يحمي الشخص، فهو سؤال للمدى القريب. والمسألة ليست فردية في وباء مثل كورونا، بل لها علاقة بالمجتمع والصحة العامة. فنسبة التلقيح الحالية، وحتى لو ارتفعت، وارتفعت معها المناعة، لا يمكن أن تحمينا مئة بالمئة. بمعنى آخر، لا يوجد أمر يلغي الآخر. أي علينا التعامل مع الوباء بأبعاد ثلاثة: الاستمرار بحملة التلقيح لرفع نسبة المناعة، والترصد الوبائي، والعلاج المبكّر عندما يوضع دواء فعال لكورونا.
.mtv.