كيف يمكن للمودع أنْ يستردَّ وديعته؟
منذ نشوء الأزمة الإقتصادية في لبنان، توقفت المصارف اللبنانية عن إعادة تسليم زبائنها دولاراتهم، وبما أنّ هذا الأمر غير قانوني، ولحماية المصارف في ظلّ غياب تشريع الكابيتال كونترول، أصدر حاكم مصرف لبنان قرارات ومنها القرار رقم /13318/ تاريخ 24/3/2021 الذي قضى بالتسديد البدلي بالليرة وتحديدا على سعر 3900 ليرة للحساب المفتوح بالدولار. وبتاريخ 31/5/2021 أصدر مجلس شورى الدولة قراره الإعدادي في المراجعة المقدّمة طعناً بالقرار رقم /13318/ قضى بوقف تنفيذه. خلق القرار الأخير لمجلس شورى الدولة بلبلة بين الوسط المصرفي والمودعين عن كيفية إسترداد وديعتهم التي هي أصلاً بعملة الدولار، هل يستردونها على أساس سعر 1500 بالرغم من التدهور الدراماتيكي للقوّة الشرائية لعملتنا الوطنية، خاصةً بعد البيان الأخير لمصرف لبنان الذي أصدره بعد تبلغه القرار الأعدادي لمجلس شورى الدولة وأعلن بموجبه تعليقه العمل بالقرار رقم /13318/.
إنّ عقد الوديعة النقدية منصوص عليه في المادة 691 من قانون الموجبات العقود التي قضت بأنّه اذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود، وسُمح للوديع (أي للمصرف) في استعمالها، يعتبر حينها العقد بمثابة عارية استهلاك أي Prêt de consommation، وإستخدم في اللغة المصرفية عبارة Prêt d’argent. وعارية الإستهلاك أو قرض الإستهلاك نصّت عليه المادة 754 من قانون الموجبات والعقود التي عرّفته بأنّه عقد بمقتضاه يسلم احد الفريقين الى الفريق الآخر نقوداً بشرط أنْ يردَّ إليه المقترض (أي المصرف) في الاجل المتفق عليه مقداراً يماثلها نوعاً وصفةً، وهذا ما يتوافق مع نص المادة 1892 من القانون المدني الفرنسي. وبما أنّ موضوع وديعة المصرف هي مبلغاً من النقود، ينطبق عليها إذاً أحكام المادتين 691 و754 من قانون الموجبات والعقود، مع الأخذ بعين الإعتبار الأحكام الخاصة للعقد الموقع بين المصرف والمودع.
يُستفاد من نصّ المادة 754 أعلاه بأنّه على المصرف أنْ يردَّ في الأجل المتفق عليه في عقد الوديعة مقدار الوديعة بما يماثلها نوعاً وصفةً، أي عليه أنْ يردَّ القيمة الحقيقية لهذه الوديعة. وبالتالي، إنّ المصرف عليه أنْ يردَّ الـوديعة التي هي بالدولار إمّا بالدولار، وإمّا بما يماثلها بالليرة اللبنانية على أساس السعر الصرف الرسمي، وهنا يكون المصرف في هذه الحالة الأخيرة بـصـدد تسديد الـقـيـمـة الحقيقية لــلوديــعـــة La banque remboursera le capital nominal qui a été prêté.
لكن، وبما أنّ عقد الوديعة يكون متوسط الأمد أو طويل الأمد، وخلال هذه المدّة قد تتغير قيمة العملة أو القوّة الشرائية للعملة وهنا نكون أمام ما يسمى L’instabilité monétaire qui détourne les capitalistes du prêt d’argent، في حين أنّ المصرف عليه موجب ردّ قيمة هذه الوديعة نوعاً وصفةً أي عليه أنْ يردَّ القيمة الحقيقة للوديعة كما شرحنا أعلاه، وفي ظل غياب تحديد قيمة سعر الصرف الرسمي في لبنان، قد يفقد المودع القيمة الحقيقية لوديعته بعملة الدولار في حال قبضها بالعملة اللبنانية عند حلول الأجل المتفق عليه على أساس 1500 ليرة مقابل الدولار الواحد.
يمكن إستنباط الحلّ من الإجتهاد الفرنسي الذي سبق له وأنْ عالجَ هذه المسألة في إحدى قرارات محكمة التمييز، الغرفة الأولى تاريخ 3 حزيران 1997، والذي قضى بأنّه يتوجب على المصرف أنْ يردَّ الوديعة بقيمتها الحقيقية كما كانت حين إستلمها أي بتاريخ إنعقاد العقد بينه وبين المودع.
”La banque est tenue d’accorder le prêt auquel elle s ’’est obligée lors de la conclusion du contrat”
وفي حالتنا الحاضرة، على المصارف أنْ تردَّ الودائع بعملة الدولار، إمّا دولاراً وإمّا بالعملة الوطنية، ولكن بالقيمة الحقيقية التي كانت عليها هذه العملة الوطنية وقت إنعقاد عقد الوديعة. وبسبب إنهيار القوّة الشرائية للعملة الوطنية عشرة أضعاف لغاية الآن، على المصرف أنْ يردَّ الوديعة بعملة الدولار إمّا بالدولار وإما عشرة أضعاف العملة الوطنية لكي يكون قد إلتزم بموجبه بردّ القيمة الحقيقية للوديعة.