كوابيس لبنانية بسيناريوهات مرعبة.. والسلطة في “الكوما”!
كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: لم يسبق للبنانيين أن عايشوا سلطة سياسية تفتقر الى الحس بالمسؤولية وتفتقد الشعور الوطني والضمير الانساني كتلك الجاثمة على صدورهم اليوم والتي تقودهم رويدا رويدا الى جهنم.
حتى في عز الحرب الأهلية البغيضة، كان هناك رجال دولة مشهود لهم يبذلون ما بوسعهم من أجل الانقاذ وفتح المعابر وتقريب وجهات النظر ووقف حمام الدم، كما كانت هناك مبادرات أهلية ومجتمعية لتأمين مقومات العيش الأساسية وتنظيم توزيعها على المواطنين.
يمكن القول، إن ما يشهده لبنان يكاد يكون أقرب الى الخيال منه الى الحقيقة، حيث يجافي كل عقل، ويتنافى مع كل منطق، ويجعل البلاد والعباد أسرى كوابيس تحاكي سيناريوهات مرعبة سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وإنسانيا وإستشفائيا وقضائيا وأمنيا، في وقت تغيب فيها القيادة اللبنانية عن تحمل مسؤولياتها وتنشغل بضرب المؤسسات وتفكيك الادارات، وتعميم الفراغ، وإستهداف الدستور، وتحريض الشارع طائفيا، وشحن النفوس مذهبيا، وإستغلال خلافاتها لتجييش جمهورها الذي بدأ برفع المتاريس تمهيدا لحرب جديدة.
الدولار الأميركي تجاوز الـ 13 ألف ليرة لبنانية حاملا معه مزيدا من الغلاء والفقر والجوع، والكهرباء تصل ساعتين الى المنازل، وإشتراكات المولدات بدأت بتقنين مؤقت تمهيدا لإطفائها لعدم توفر مادة المازوت أو بسبب قرب رفع الدعم عنها ما يهدد بعتمة شاملة.
محطات البنزين تحولت الى جبهات ومحاور للقتال يسقط عند خطوط تماسها قتلى وجرحى بشكل يومي، وفقدان الأدوية يهدد مجتمع المرضى بتعميم الموت، فيما يستقوي أصحاب المستودعات الذين يحتكرون الدواء على الدولة العاجزة عن دفع المستحقات المالية، فيعلن وزير الصحة حمد حسن بأن نصف الأدوية المفقودة وُجدت في المستودعات، من دون أن تحرك الأجهزة الرسمية ساكنا للافراج عنها وإعطائها للصيدليات التي تتجه نحو الاقفال.
الأمن يتأرجح، بين إشكال هنا وإطلاق نار هناك وسطو مسلح هنالك، والفتن تلوح في الأفق بين أحزاب تستحضر منطق الحرب والاغتيالات، وبين مناطق تنبش قبور الماضي، وبين أشخاص يعملون على إستغلال الفوضى لتصفية حسابات سابقة، بما يفرض شريعة غاب تعجز الدولة عن مواجهتها، كما تخفق في الحد من أعمال التهريب التي تضاعف من معاناة اللبنانيين ومن فقرهم وعوزهم.
القضاء يتآكل من الداخل، ففي الوقت الذي ساهم فيه رئيس الجمهورية ميشال عون بدق الاسفين الأول في نعشه بتجميد التشكيلات القضائية، تابعت قاضية العهد غادة عون ضرب مفاصل قضائية أساسية من خلال تمردها على السلطة القضائية وضرب هيبتها وصولا الى إضعافها، فيما لم يتوان تيار الرئيس القوي عن شن حملة على النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات كرد الصاع صاعين له بعدما تجرأ على كف يد غادة عون عن بعض الملفات وإعادة توزيع مهام النيابات العامة وفقا للأصول، حتى وصل الأمر الى تهديد أعلى سلطة قضائية بالايذاء الشخصي والعائلي، حيث سُجل إتصال من مجهول الى مجلس القضاء الأعلى تضمن تهديدات وشتائم لكل من رئيسه سهيل عبود والمدعي العام التمييزي غسان عويدات، ليكتمل مشهد ضرب السلطة القضائية التي تحولت في عهد التغيير والاصلاح للرئيس القوي مكسر عصا تستهدف من الداخل وتهدد من الخارج.
كل شيء في لبنان بات مهددا حتى الكيان، فيما رئاسة الجمهورية غارقة في إطلاق شعارات الميثاقية ووحدة المعايير لتأمين مصلحة التيار الوطني الحر بتمثيل وازن في حكومة سعد الحريري، وتتحين كل فرصة للانقضاض على إتفاق الطائف ومن خلاله على الدستور وفرض أعراف جديدة عليه، في حين لا تحرك ساكنا أو تقود مبادرة إزاء الأزمات التي تحوّل شعب لبنان العظيم الى متسول..
حكومة تصريف الأعمال ورئيسها حسان دياب ووزراؤها في “الكوما”، والرئيس المكلف يفتش عن ثأر شخصي مع جبران باسيل، ويطلب النجدة من حلفائه الذين لم يسأل عنهم عندما إتخذ قرارا منفردا بتسمية ميشال عون لرئاسة الجمهورية ومن ثم دعم باسيل في الانتخابات النيابية، وقتها لم يكن “الصديق” ينتهك صلاحيات رئاسة الحكومة، ولم يكن عون في حينها يمتلك باعا في التعطيل.
طفح كيل اللبنانيين من هذا اللعب المتمادي بمصيرهم، ومن سلطة سياسية هي الأسوأ بكل مكوناتها على مدار مئة عام، والأسوأ منها هي ثورة إنطلقت من أجل ستة دولارات وملأت الساحات والشوارع، ثم غابت وصمتت عن الجرائم التي لا تعد ولا تحصى المرتكبة بحق هذا الشعب المسكين الذي لم يعد يمتلك غير الدعاء الى الله لكي ينتقم من مصاصي دماء اللبنانيين..