لولا المغتربون
مع كل يوم يطلّ وآخر يمضي يغرق اللبنانيون في حفرة حفرها لهم المسؤولون أكثر فأكثر، خصوصًا أن لا أحد من هؤلاء المسؤولين، على ما يبدو، “فرقاني معو”. فالملف الحكومي قابع في أدراج النسيان والإهمال من دون أن يرّف لأحد من المعنيين أي جفن، مع ما يرافق ذلك من تراشق لتهم التعطيل بين “بعبدا” و”بيت الوسط”، وكل يغنّي على ليلاه، وينام على الجنب الذي يريحه، غير آبه لما يعانيه الشعب، الذي بات رهينة مزاجية هذا المسؤول أو ذاك الزعيم.
فالأزمات المعيشية تتوالد يوميًا، والمعاناة تستنسخ أخرى. وهكذا يتقّلب المواطن على جمر النار من دون أن يكّلف أحد ممن يسمّون أنفسهم مسؤولين خاطرهم ويبلّوا بطرف إصابعهم حلق المواطن، الذي بات كل همّه كيفية تأمين لقمة عيش عياله، بعدما سُدّت في وجهه كل الأبواب بإستثناء باب واحد (التفاصيل تباعًا).
قرأنا بالأمس كلامًا منقولًا عن مصادر قصر بعبدا ومنسوبًا إلى رئيس الجمهورية، وفيه أن الرئيس عون سيفسح في المجال أمام الرئيس المكّلف مهمة تشكيل الحكومة من دون أن يتدّخل في لعبة الأسماء، وذلك من أجل إحراج الرئيس الحريري، الذي ينصاع لما يُملى عليه من الخارج، على ما تقول تلك المصادر، وهو لا يرغب بالتالي في تشكيل أي حكومة حتى ولو أُطلقت يداه في هذه العملية.
فلعبة شدّ الحبال مستمرّة بين المرجعيات فيما الموطن غير قادر على التنفس لكثرة الشدّ على رقبته والتضييق عليه، ومنع الهواء عنه والحؤول دون تمكّنه من رفع صوته بالعالي، وسط برمجة منظمّة لإذلاله وتفقيره كل يوم أكثر من يوم. فمع كل طلعة شمس نفيق على خبرية تسمّ البدن. فمن أزمة البنزين إلى أزمة الرغيف والدواء، إلى أزمة الكهرباء، إلى أزمة الدجاج واللحم، وكأنه مكتوب على اللبناني أن يبقى حلقه معلقًا بالسقف.
ولكن وعلى رغم كل هذه المآسي، وعلى رغم تكاثر حالات اليأس، وعلى رغم تفاقم الأزمات التي أصبحت متداخلة، فإن المواطن اللبناني لا يزال حتى هذه الساعة قادرًا على التكيّف مع ما ينزل على رأسه من مصائب وكوارث، وهو لا يزال قادرًا على الصمود والوقوف في وجه العاصفة، وهذا ما يحيّر بعض الخارج، الذي يستغرب كيف أن اللبناني لم ينهر بعد.
الجواب عن هذا الإستغراب هو بكل بساطة أن ثمة لبنانيين موجودون، سواء في دول الخليج العربي أو في الجهات الأربع من العالم، لا يزالون يمدّون أهاليهم في بلدهم الأمّ بما يتوافر لهم من إمكانات مادية، فردية كانت أم جماعية، والتي من شأنها التقليل من حجم المعاناة، ولو أن بحصة الإغتراب قد تسند خابية الحاجة الماسة في الداخل اللبناني على أكثر من صعيد، خصوصًا أن فرق سعر صرف الدولار بالنسبة إلى الليرة اللبنانية قد ساهم، ولو جزئيًا، في عملية الصمود، مع الإشارة إلى أنه نادرًا ما ترى بيتًا واحدًا إلاّ وأحد أفراده يعمل في الخليج أو في أي بلد آخر.
هذا هو أحد أسرار صمود اللبنانيين، مع العلم أن فكرة “الدولار الإغترابي” لا تزال قابلة للتطبيق، وذلك تعويضًا عن عدم إدخال دولارات طازجة إلى لبنان بالوسائل التقليدية، والتي اصبحت متعذرة في الوقت الحاضر، لكن كل ذلك مرهون بتشكيل حكومة توحي بالثقة أولًا، وثانيًا البدء بعملية إصلاحية جدّية كمرحلة اولى في مسيرة محاربة الفساد.