الحريري يُبلغ المقربين: سأعتذر عن التكليف
لم يعد أمام الرئيس سعد الحريري الكثير من الوقت لإضاعته على مبادرات تولد ميتة. يعلم أن التغيرات في المنطقة لن تكون لصالحه والمطلوب ترك ساحة التكليف والتحضير للانتخابات النيابية التي يُصر المجتمع الدولي عليها وفي الموعد المحدد تحت طائلة عدم الاعتراف بشرعية القوى الحاكمة.
فهم الحريري الرسالة الفرنسية، والتي عبر عنها وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان في لقائه مع رئيس تيار المستقبل، ففي الشكل استدعاه الى قصر الصنوبر في خطوة لا تليق برئيس مكلف وفي المضمون سمع الرجل كلاما واضحا عن رفض دولي وسعودي للحريري في رئاسة الحكومة والدعوة الى افساح المجال أمام حكومة انتقالية للإشراف على الاستحقاقات المقبلة وأبرزها الانتخابات النيابية. الحريري الذي طلب من الضيف اعطاء وقت قصير لإيجاد تخريجه للاعتذار، أبلغ المقربين وصوله الى الحائط المسدود في ملف التأليف، والذي شيدته مجموعة عوامل داخلية وخارجية من الصعب تفكيكها لارتباطها بمصالح اقليمية تتعلق بشروط التفاوض الايراني الاميركي والايراني السعودي، وفي ظل كباش دولي بين الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى.
ورغم قناعة الحريري بأن مسار الامور تبدل في السنتين الاخيرتين، الا أن الرجل يسعى الى تثبيت زعامته في الشارع السني بعد أن اصيبت باهتزاز كبير ودخلت عوامل كثيرة أثرت على الصوت السني من أقرب المقربين للحريري.
لا يريد رئيس تيار المستقبل اتخاذ أي خطوة قد تطيح بمستقبله السياسي المترنح، ويعلم أن ال “ok” السعودية لن تُعطى له طالما ان ملف الحوثيين في اليمن لم يحسم بعد والتهديدات اليومية عبر المسيرات المفخخة المتجهة نحو المملكة وبتدريب من عناصر في حزب الله تفعل فعلها هناك، ما يعني أن خيار لبنان أو حزب الله لا زال قائما بالنسبة لإدارة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان وعلى الحريري الاختيار أما حكومة لا حزب الله أو تسوية داخلية فاتورتها “لا” سعودية عليها.
بعد زيارة لودريان الى بيروت وقبلها لقاء الحريري بالمسؤولين الروس، انتقل رئيس تيار المستقبل الى مرحلة جديدة بالتعاطي مع الملف الحكومي، وهي مرحلة المشاركة باختيار رئيس لحكومة ينحصر دورها بوقف النزيف الاقتصادي والمالي بصورة عاجلة عبر قروض ميسرة من البنك الدولي وبصورة فورية كمقدمة لتثبيت الانتخابات النيابية في موعدها والاشراف عليها تحت رعاية دولية ووفق القانون الموضوع.
ويردد الحريري أمام مستشاريه أن رفضه حمل جمر الدعم بيديه ان لم يجد من يطفئ لهيبه، وهو غير راض على كل العراقيل التي وُضعت أمامه لإنتاج حكومة قادرة على مواجهة التحديات ولكنه فضل الانسحاب من المعركة للتحضير جيدا للحرب المقبلة لتثبيت زعامته في الشارع السُني والعمل أكثر على ازاحة المنافسين والتفرغ الى تياره السياسي الذي يعاني اليوم من عدم الاستقرار التنظيمي، فالأرقام غير واضحة بالنسبة لزعامة الحريري ولا تعكس ثباتا ومحكومة بالمواقف الآنية، فأي هجوم على الحريري من قبل الخصوم يرفع من شعبيته، وحين تتوقف الحملة نجد أن الارقام عادت وانخفضت، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لتيار المستقبل مع سعد الحريري الذي عقد تسويات كثيرة مع خصوم قاعدته الشعبية وعلى رأسهم التيار الوطني الحر ومن خلفه حزب الله.
ورغم كل هذا الجو يفضل الحريري البقاء مكلفاً ويشكل حكومة بالاتفاق مع الرئيس ميشال عون، ولكن صاحب المواقف التي لا يحفظ من خلالها “خط الرجعة” كان يُفضل لو استمرت جلسات بيت الوسط الليلية مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وتمكن في السنوات الست لرئاسة ميشال عون أن يقدم ولو عشرة في المئة من الوعود التي أغدقها على اللبنانيين في المواسم الانتخابية.