فرنسا تتخلّى عن سياسة “الجزرة”… ولودريان يحمل معه العصا!
يحّل وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان ضيفًا على لبنان ابتداء من الاربعاء وهو يحمل معه “عصًا سياسية غليظة”، على حدّ تعبير بعض الذين زاروا العاصمة الفرنسية مؤخرًا، والذين ينقلون عن عدد من المطلعين على أجواء الإليزيه، ما يوحي بإستياء فرنسي عارم نتيجة خيبات الأمل، على أثر الزيارتين اللتين قام بهما الرئيس إيمانويل ماكرون لبيروت، ولم يلقَ من المسؤولين اللبنانيين أي إهتمام.
بهذه الروحية يأتي لودريان وفي جعبته أكثر من موقف وأكثر من تحذير وأكثر من علامة إستفهام، وأكثر من حالة غضب، وهو المعروف عنه أنه يقول الأشياء كما هي من دون لجوئه إلى الدبلوماسية، ومن دون أن يضطّر للبس كفوف مخملية، وهو الذي يسمّي الأشياء بأسمائها الحقيقية، ويقول الحقيقة من دون أي مساحيق تجميلية، وهذا ما لمسه أهل السلطة منه في زيارته الأخيرة لبيروت، والتي إتسمت بصراحة تامة قد أزعجت بعضًا من أهل السلطة، وهو بما يحمله معه هذه المرّة سيزعج هذا البعض أكثر من أي وقت مضى، لأنه سيضع النقاط على حروف المبادرة الفرنسية، خصوصًا أن ثمة شعورًا في باريس خلاصته أن الفرنسيين باتوا على يقين من سعي بعض السياسيين اللبنانيين إلى سحب البساط من تحت أقدام فرنسا، التي تحاول أن تدخل إلى المنطقة بقوة من خلال البوابة اللبنانية.
وما أعلنه لودريان عشية زيارته لبيروت يشي بأنه لن يكون مهادنًا، وهو سيقول ما عليه أن يقوله، ولو إضطر على أن يقوله للمرّة الأخيرة، قبل أن يضع نقطة على السطر. فقد قال “إن الوضع في لبنان انما هو قضية إقليمية، وقضية متوسطية، ومسألة أوروبية”، وأشار إلى “أن التدهور الخطير للوضع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني انما يعود الى حقيقة أن القادة السياسيين يواصلون عدم تشكيل حكومة كفؤة قادرة على إصلاح البلاد”.
وتابع لودريان “أعني هنا كما قلت بالفعل خلال زيارتي السابقة في تموز 2020، عندما أدليت ببعض التعليقات الجادة حول الوضع في هذا البلد. أود أن أقول ذلك مرة أخرى هنا: يجب أن يفهم المسؤولون عن انسداد افق الحل اننا لن نظل مكتوفي الأيدي. لقد بدأنا مناقشات مع شركائنا الأوروبيين حول الأدوات المتاحة لنا لزيادة الضغط على اللاعبين في النظام السياسي الذين يعرقلون مخرجًا من الأزمة. وعلى الصعيد الوطني ، بدأنا في تنفيذ إجراءات تقييدية من حيث الوصول إلى الأراضي الفرنسية ضد الشخصيات المتورطة في الانسداد السياسي الحالي أو المتورطة في الفساد. ونحتفظ بالحق في اتخاذ إجراءات إضافية ضد كل من يعيق الخروج من الأزمة، وسنفعل ذلك بالتنسيق مع شركائنا الدوليين”.
هذا الكلام الصريح والواضح يعني أن فرنسا جادّة في إتخاذ إجراءات حاسمة في حق من يعرقل قيام حكومة في لبنان، وأن هذه الإجراءات قد تصل إلى حدّ إتخاذ بعض العقوبات، التي هي مثار جدل ونقاش داخل الإتحاد الأوروبي، وذلك لكي لا تأتي الخطوة الفرنسية منفردة، ولكي “تقوطب” على اي إعتراض على أي إجراء قد يُتخذ في حق معرقلي الحلّ في لبنان، في إشارة إلى تصريح وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو، الذي أبلغ النائب جبران باسيل رفض المجر إتخاذ أي تدبير في حقّ “أكبر تكتل نيابي في لبنان”.
ما سيقوله لودريان هذه المرّة للمسؤولين اللبنانيين، وفق مصادر عليمة، سيكون له تأثير كبير، لأنه لن يحمل معه هذه المرة سوى العصا، بعدما تخّلى عن الجزرة، خصوصًا أن سياسة “العصا والجزرة” لم تنفع مع اللبنانيين في الماضي القريب.