المطالبة بمحاكمة رئيس الجمهورية لعب بنار الانقسامات
قد نوافق على مضمون الدراسة القانونية التي أعدّها عدد من الشخصيات السياسية والقانونية والإقتصادية والإجتماعية والإعلامية، لجهة ما ورد فيها من تفنيد للأخطاء التي إرتكبت في عهد الرئيس ميشال عون، وهي أخطاء قد تكون في ميزان المحاسبات نسبيةً وقابلة للنقاش، وذلك وفق نظرة كّل من طرفي النزاع.
ولكن ما لا نوافق عليه ذهاب موقعّي المذكرة إلى حدّ المطالبة بمحاكمة الرئيس عون بإعتبار “أن رئيس الجمهورية وحده اقسم على الدستور وهو مؤتمن عليه”. وقد توجّه الموقّعون على الدراسة الى اللبنانيين والى النواب وحضّوهم على القيام بواجبهم وِفق المادة 60 من الدستور بـ”إتهام رئيس الجمهورية بخرق الدستور واحالته الى المحاكمة التي سيتقرّر بنتيجتها، اما كفّ يده او اي مصير آخر”.
هذه السابقة لم تحصل في حقّ أي رئيس سابق للجمهورية، لا مع الرؤساء بشاره الخوري ولا كميل شمعون ولا سليمان فرنجيه ولا أميل لحود، على رغم المعارضات التي قامت في حينه في نهاية عهد كل منهم.
أن تُطالب مجموعة من الناس، أيًّا تكن إنتماءاتهم السياسية والعقائدية، بأن يُحال رئيس جمهورية البلاد إلى المحاكمة بتهمة “الخيانة العظمى”، هو أمر قد يؤدي في الظرف الذي نعيش فيه، وسط الإنقسامات العامودية والأفقية الحادّة بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني، إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وذلك نظرًا إلى الحساسية المفرطة لدى فئة كبيرة من الناس حيال ما يُتهمّ به رئيس الجمهورية.
ولأن كل الأمور في لبنان هي نسبية فإن الإختلاف في وجهات النظر يجب أن تبقى محصورة ضمن الأطر التي تتيح إمكانية الإنفتاح على الآخر، من دون المسّ بالكرامات والرموز ومن دون أي تجريح أو تطاول، وذلك إنطلاقًا من مقولة الإمام الشافعي “رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”.
من ابرز عناوين الدراسة: عدم توقيع مرسوم التشكيلات القضائية، التوقيع على مرسوم التجنيس، خروج الرئيس عن دوره كحكم والمطالبة بحصة وزارية تارة وبتسمية الوزراء المسيحيين وبثلث معطل وبوضع شروط ومعايير على الرئيس المكلف وذلك خلافا للدستور، والتقاعس عن دوره في التوقيع على المرسوم 6433 وعدم حثّ الحكومة على تعيين موعد لاجراء الانتخابات الفرعية، والتماهي كليا مع “حزب الله” على حساب مصالح لبنان، والسكوت عن تصرفات وزير الاقتصاد راوول نعمة بتوجيهه كتاب الى المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار يطلب منه فيه “الغاء الاعمال الحربية والارهابية من دائرة الاسباب التي ادت الى انفجار مرفأ بيروت.
هذه العناوين وسواها، وقد تطرقنا إليها في أكثر من مقال في هذه الزاوية بالذات، هي أخطاء من بين الكثير من الأخطاء، التي إرتُكبت، والتي أدّت في رأينا إلى ما أدّت إليه من نتائج كارثية، وربما تكون من بين الأسباب الكثيرة التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، ولكن تبقى محصورة ضمن دائرة الخطأ المشترك في المسؤولية بين الفاعل والمتلقي على حدّ سواء، خصوصًا في غياب الرقابة التشريعية الفعلية والجدّية، وعدم تفعيل عمل اللجنة النيابية لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
في المضمون نحن مع هذه الدراسة. أمّا في التوجّه فلنا عليه أكثر من تحفّظ. وللبحث صلة.