التغيير المطلوب يبدأ من فوق، ولا قراءة عونية – قواتية موحدة للاستقالة
ما بين كلام رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عن إستقالة جماعية من مجلس النواب، وبين كلام النائبة ستريدا جعجع من بكركي وردّ “التيار” عليها أكثر من لفتة يمكن التوقف عند معانيها، خصوصًا أن العلاقة بين هذين التيارين المسيحيين متوترة، وتشوبها أكثر من علامة إستفهام، لألف سبب وسبب، مع العلم أن ما كان يجمع بينهما قام على مصالح آنية، بالتوازي سواء من جهة “العونيين”، الذين لم يروا في إتفاق معراب سوى جسر عبور من الرابية إلى بعبدا، أو من جهة “القواتيين”، الذين أرادوا من خلال دعم ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية حرق المراكب والمراحل وحرق الكراسي.
النظرة بين “معراب” و”ميرنا الشالوحي” حول مقاربة موضوع الإستقالة الجماعية من مجلس النواب مختلفة من حيث الأهداف. ففي حين يرى تكتل “الجمهورية القوية” أن من شأن هذه الإستقالة أن تعيد تكوين السلطة التشريعية على اسس سليمة إنطلاقًا من مبادىء “ثورة 17 تشرين”، وما يمكن التعويل عليه لجهة إدخال دمّ شبابي جديد إلى البرلمان وفق مفاهيم جديدة لممارسة السلطة بكل مكوناتها، على رغم ما يُقال في الكواليس عن أهداف غير تلك المعلنة.
أما ما يريده تكتل “لبنان القوي” من هذه الإستقالة فقد ورد على لسان النائب باسيل في كلمته “النارية” يوم السبت الماضي، فربط الإستقالة الجماعية بسقوط الوكالة عن الرئيس المكّلف سعد الحريري. وفي ذلك أكثر من رأي، بين مؤيد ومعارض ورافض، مع العلم أن مفتاح تشكيل الحكومة لا يزال في جيب النائب باسيل، بعد إتهام الرئيس الحريري له بعرقلة قيام “حكومة المهمة” بإيحاء خارجي.
لا تجاوب عونيا مع طرح “القوات” لإستقالة جماعية
الأزمة تتعقّد والسلبيّة تسيطر.. “التيار”: الأقنعة سقطت؟!
أما الذين يخالفون كلًا من “معراب” و”ميرنا الشالوحي” فلهم رأي آخر في ما خصّ الإستقالة ونظرة شمولية أوسع. هم يطالبون بإستقالة جماعية من كل المناصب الرسمية، بدءًا من رأس الهرم، اي رئاسة الجمهورية، حتى آخر مسؤول يتعاطى الشأن العام، بإعتبار أن الفساد، في رأيهم، يسود في كل هذه المواقع، وهو الذي لا يزال يتحكّم بمفاصل الدولة ويفرض الشلل التام على كل المستويات. وما يعيشه الموطن اليوم هو نتيجة طبيعية لمسار الفساد، الذي ينخر مؤسسات الدولة، من كبيرها حتى صغيرها، ومن أكبر موظف حتى آخر موظف.
ويقول هؤلاء إن إستقالة النواب وحدها لن تؤدي إلى الغاية المرجوة، لأن المطلوب قبل الإقدام على أي خطوة مماثلة تغيير جذري في مفهومية السلطة، وإدخال ثقافة إدارة البلد بذهنية مختلفة كليًا عن السابق، وبعيدًا عن منطق المحاصصة الذي اوصل البلاد إلى ما وصلت إليه من حال إهتراء.
وفي خلفية من يريد “شطف الدرج من فوق إلى تحت”، وليس العكس، فإن الفاسدين الكبار هم السبب المباشر في إفقار الناس وتجويعهم، وهم بالتالي مسؤولون مباشرة عن أزمة كل لبناني فقدَ أمواله التي تبخّرت بسحر ساحر، من دون أن يعرف أحد إلى أين المصير.
التغيير يجب أن يكون شاملًا، ولكن يجب أن يبدأ من مكان محدّد ما ليكون نقطة إنطلاق محورية لمحاسبات جماعية وإفرادية، وأن يكون عنوان المرحلة المقبلة “حراميي حتى إثبات العكس”.