الجراد لا يحب “العبور” في لبنان… لا داعي للهلع!
كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
هناك دولٌ تستبشر بقدومه أما هنا، في لبنان، فكلما تناولنا سارقاً أو فاسداً أو أزعر نشبّهه بـ “الجراد يأكل الأخضر واليابس”. فماذا لو سمعنا، في أحلك أوقاتنا، من يُنذر بقدوم الجراد الى لبنان؟ ماذا لو سمعنا ان هناك من يراقبون الآن، بإيعازٍ من وزير الزراعة، حركة أسراب الجراد في الدول المجاورة، للحؤول دون تسللها الى لبنان؟ وماذا لو تسلّلت كما تتسلل وطاويط الليل والنهار عبر الحدود؟ هل ينقصنا همّ أم أن الجراد أذكى من أن ينتقل الى بلادٍ لم يعد فيها لا أخضر ولا يابس؟
قبل عام، في ظلِّ انتشار القلق من هجوم الجراد، غرّد وئام وهاب قائلا: “جراد السلطة في لبنان لن يترك للجراد شيئاً”! هذا كان قبل عام، يوم كان الدولار ما زال بأربعة أو خمسة آلاف ليرة، وكان سعر كيلوغرام السكر أربعة آلاف لا أربعة عشر ألفاً، وكيلوغرام الخيار بألفين لا بعشرة… فهل يمكننا اليوم أن نحسم الأمر بالقول: لا داعي أبدا للهلع من هجوم يستعدّ له الجراد على لبنان في صيف 2021؟
الخبير في علم الحشرات البروفسور داني عازار يرى أن الطقس، كما نعيشه “هاليومين”، حرّ شديد وطبيعة خضراء، يُعزز زيادة “تفقيس” الجراد، يتزامن ذلك مع رياح خمسينية تهبّ، تعزز هجرات الجراد من مكان الى مكان. لكن، لا مؤشرات حتى اللحظة، بحسب عازار، الى قدوم جحافل جراد”. نطمئن؟ ما يجعلنا نطمئن مع رسم علامة تعجب واضحة في أعيننا وعلى الجبين هو سماعنا “أن الجراد لا يحب المرور عادة في سمانا”. فهل نفهم من ذلك أن الجراد يعرف أن الفقر يضرب أطنابه هنا؟ يجيب الخبير في علم الحشرات كمن استشعر دهشتنا بالقول “لا يحب الجراد لبنان بسبب تبدل الحرارة فيه وعدم بقاء درجات الحرارة عالية”. طقسنا الذي تعود درجات الحرارة فيه بسرعة الى معدلاتها الطبيعية هو الذي يجعل الجراد “يكره” لبنان فلا تذهبوا بأفكاركم أبعد من ذلك.
كلما مررنا في مناطق جبلية نسمع طلقات بنادق تُفجّر رؤوس العصافير وتشلّعها، مع أن موسم الصيد لم يحن بعد، وهذا شيء خطير. فكل عصفور بحسب عازار “يأكل بين خمسين وستين حشرة”. وها نحن نقتل العصفور ويأتي الجراد ليأكل محاصيلنا.
ينطبق على اللبنانيين مقولة “ما تهزو واقف ع شوار”. فكلمة تأخذهم يميناً وكلمة تأخذهم يساراً. وتحذير وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى مصلحة الأبحاث الزراعية بوجوب مراقبة ودراسة حركة أسراب الجراد في الدول المجاورة أقلق الكثيرين. نطلب المصلحة مرة ومرتين وعشراً، بين الفنار وتل عماره وتربل ولبعا وكسروان وحاصبيا. رئيسها ميشال افرام الذي يداوم في تل عماره غير موجود. فهل من يفيدنا حول كيفية إبقاء الوضع “تحت المجهر” للحيلولة دون هجوم الجراد؟
وزير الزراعة طلب التنبه “إحتياطاً” وليس هناك خطر داهم، أقله (كما قال) لتاريخه. في كل حال، التغيير المرتقب اليوم في درجات الحرارة ونزولها نحو عشر درجات سيُغيّر رأي الجراد إذا كان قد خطط للمجيء. نُكرر: لا داعي للهلع.
أمر الجراد، كما أمر الهزات والزلازل! حيث يطل، بين الفينة والأخرى، من يُخبرنا بأن الأسوأ قادم. فكم مرة سمعتم بربكم، من المنجّمين والمنجمات، من يقول بصوتٍ أجش: لبنان على خط الزلازل؟ فهل ينقصنا زلازل وهزات وجراد ليكتمل النقل بالزعرور؟
الخبير الجيولوجي البروفسور ويلسون رزق يبتسم كثيرا لمثل هذا الكلام الذي يتردد، في كل مرة، ببغائياً. ويقول رداً على مخاوف الناس من أن تؤدي الرياح الخمسينية الحارة، مع الجراد الممكن، الى زلازل ممكنة: “لا توجد أي إشارات دالة الى وجود إرتباط بين أحوال الطقس والزلازل والهزات. فلا يعتقدن أحدٌ أن الحرّ الشديد قد يتسبب بهزة، وبالتالي لا خطر. فلا تخافوا. ولبنان، على عكس كل ما يشاع، ليس على خط الزلازل الرئيسي بل هو على خط الزلازل الثانوي، بين فالقين جيولوجيين يعبرانه من الشمال الى الجنوب، شرقاً فالق اليمونة الذي يمر في سهل البقاع، في محاذاة سلسلة لبنان الغربية، وغرباً الفالق البحري الذي يمر في محاذاة الشاطئ اللبناني”.
إطمئنوا. لسنا على خط الزلازل الرئيسي كما إيران وتركيا والجزائر. واطمئنوا الجراد لا يرغب كثيراً في المرور فوق لبنان. خبران جميلان في زحمة الأخبار القبيحة. لكن، هذا لا يعني أن ننفي نفياً قاطعا حصول ذلك. فالجراد قد يعود ويمرّ والهزة قد تحصل. ويقول رزق “يسجل مرصد بحنس حدوث هزات خفيفة دائماً لا نشعر بها لذا المفروض ان نأخذ احتياطاتنا دائماً عند تشييد المنشآت والمباني. ويستطرد: لا أحد أبداً يمكنه ان يتكهن بقرب حدوث زلزال ومن يقل العكس يكذب. والطريقة الوحيدة لحدوث ذلك تكون من خلال ماكينة الترصد الزلزالي التي يمكنها وحدها تحديد ذلك قبل ساعة او نصف ساعة. فلا تخافوا إذا سمعتم منجّماَ يضيف إلى رؤاه الموسمية: “أرى زلزالاً او هزة في لبنان”!
نعود للإتصال بمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية. لا أحد يجيب.
فلنعد الى حال الجراد والحشرات في لبنان مع الدكتور داني عازار. هو يتذكر يوم هجمت “الخنافس” التي تشبه الصراصير وطاردها اللبنانيون من خلال ما تيسر بين ايديهم من مبيدات الصراصير والبرغش ويقول “بدا اللبنانيون يومها جاهلين أهمية هذه الخنافس التي تأكل الدود العريان، وهي هدية من السماء الى المزارع والإنسان. وأشبه بمبيد طبيعي يقضي على الحشرات الضارة” يضيف “ليتها تعود أيضا هذه السنة. فهي تأكل الفراشات الضارة التي تؤثر سلباً على شجر السنديان. إنها أفضل علاج طبيعي لها. وهناك من يلجأ الى الرش العشوائي ومعلوم ان ذلك يضرب الثروة النحلية التي نملكها وأصناف كثيرة من الحشرات. مشكلتنا أن الله والطبيعة يقدمان إلينا حلولاً ويرسلان العلاجات لكن لا نعرف كيف نستفيد من ذلك” ويستطرد “في هذا الطقس، حين يأتي الحرّ الشديد بعد مطر كثير، تولد الفراشات والنمنم، الذي هو نوع من “البق”، في الطقس الدافئ. ونبدأ في إطلاق أجراس الإنذار، غير منتبهين الى أن الطبيعة يفترض أن تأخذ مجراها. فكل سنة يمكن أن يأتي الجراد. ولا داعي أبدا للهلع. واللبناني لا ينقصه ما يُسبب له القلق والخوف”.
هناك جراد محلي، غير الجراد الذي يطير في اتجاهنا. ويعيش الجراد المحلي في الجبال والجرود وأعداده، بحسب عازار، غير مخيفة. ويُشكّل عنصراً أساسياً في السلسة الطبيعية”. ما دام الأمر كذلك فما الفارق بين الجراد المحلي، الذي نطلق عليه اسم الجراد المصري ولا يؤذي، والجراد الوافد؟ يجيب “الأنواع التي تصل من الخارج تتكاثر بوتيرة أسرع، وكل أنثى تبيض نحو 400 بيضة. وآخر مرة رأينا فيها الجراد في شكلٍ مخيف في لبنان كان في العام 1918. في ذاك العام ضرب الجراد أفريقيا كلها والمناطق العربية. لهذا كلما سمعنا به نتذكر ما قرأناه عن الجراد الذي أكل الأخضر واليابس. في كل حال، من المهمّ ان يعرف الناس ان الجراد يعيش بين سنة وسنتين”.
الحشرات لا تخيف أبدا. الإنسان بحسب عازار هو من يخيف. هو الحيوان الوحيد الذي يدمر البيئة ويصطاد ويقتل. القتل عند الإنسان لذة، بدليل أنه “يهوى” الذهاب الى الصيد ليقتل، في حين تقتل الحيوانات الأخرى كي تأكل”.
هناك أكثر من مليون و150 ألف حشرة في العالم. وكل سنة ندرس، على حد قول عازار، بين 5000 و10000 حشرة جديدة. وما يؤذي منها لا يزيد عن 1 في المئة. الحشرات التي نراها نافعة بنسبة 99 في المئة أكثر مما هي ضارة. ومن دونها لا يمكننا أن نأكل حبة فاكهة واحدة. وتموت “الحياة” على الأرض بلا حشرات في أقل من شهر واحد. الحشرات موجودة منذ أكثر من 410 ملايين عام ومن دونها لا حياة على كوكبنا. والحشرات تعرف كيف تتكيف مع البيئة في شكل رائع. الذبابة مثلا تعرف بوجود ذبابة أخرى لديها قابلية للزواج عن بعد 15 كيلومتراً في حين أن الإنسان يجهل وجود “بني آدم” يبحث عن سبل الحياة في جواره. قوة الإستشعار عند الحشرات هائلة وتكيفها طبيعياً رائع حقاً. الحشرات هي التي تلقّح 95 في المئة من النبات الموجود في حين أن حبيبات الطلع في الهواء لا تلقح إلا بنسبة 5 في المئة من النبات على الأكثر”.
هل نفهم من كل هذا أن القلق من هجوم أي نوع من الحشرات، وبينها الجراد، مبالغ به؟ الجراد إذا وصل سيعبر مرور الكرام. نحن نخاف منه وهو، مثل كل الحشرات، يخاف منا. ويكفي أحيانا أن نُطفئ الأضواء كي ترحل.
ها قد إنتهت الرياح الخمسينية وعاد الطقس الى طبيعته. عاد “البرود” الى لبنان والجراد لا يحب “البرود”. فلا تخافوا منه. ناهيكم عن أنه لم يعد يوجد شيء في البلد ليأكله. فاطمئنوا.