هل يكون لبنان “فرق عملة” في صراع الدول لهذه الاسباب؟
لم يكن لبنان من أولويات الدول العظمى. الأسباب كثيرة، وأهمّها ربما أن اللبنانيين غير متفقين على رؤية واحدة موحدة حول أي لبنان يريدون، وهم بالتالي غير قادرين على تقديم أي مشروع مستقل يكون حلًّا لمّا يتنازعون عليه حول الأفضليات والأولويات، ناهيك عن تموضعهم في خانة الخيارات الأقليمية غير المنسجمة أحيانًا كثيرة مع توجّهات كل من الولايات المتحدّة الأميركية وروسيا، اللتين تتسابقان على تثبيت أقدامهما في المنطقة، سواء في سوريا أو في العراق.
ولأن اللبنانيين غير متفقين على أي مشروع حتى على تشكيل حكومة، فإن الخارج سيبقى ينظر إلى مشاكلنا على أنها ثانوية ولا تستأهل أي تدّخل مجدٍّ لمساعدة هذا البلد المبتلي بمنظومة سياسية فاسدة. وحجّة هذا الخارج، ومن بينهم فرنسا الوحيدة التي كانت لها مبادرة إنقاذية تجاه لبنان، كيف لهم أن يساعدوا اللبنانيين في الوقت الذي يرفضون هؤلاء مساعدة أنفسهم للخروج من أزماتهم المتراكمة والمستعصية؟
فإذا كان المسؤولون اللبنانيون، من أعلى الهرم حتى أسفله، غير مكترثين بما ستؤول إليه أحوال بلدهم، فكيف يُطلب ممن لهم أولياتهم ومصالحهم في المنطقة أن يمدّوا يد المساعدة لمن لا يريدون أن يساعدوا أنفسهم وشعبهم؟
الدول الكبرى لا تتعاطى مع الدول الصغرى، وقد يكون لبنان أصغرها، من منطلقات عاطفية، بل تتحكّم بقراراتها عدّة إعتبارات، ومن بينها مصلحة هذه الدولة أو تلك، وهذا ما لا يريد المسؤولون عندنا أن يفهموه، وهم لا يزالون يراهنون على هذه الجهة أو تلك، على رغم إنخراط بعض الدول الإقليمية في دعم فئة من اللبنانيين ضد فئات أخرى. وهذا الأمر هو من بين الإشكاليات الكثيرة التي تجعل اللبنانيين ينقسمون إلى محورين متناقضين في الرؤية وفي النهج.
الواضح من خلال تتبع مسيرة الدول أن المصالح المتشعبة هي التي تتحكّم بعلاقاتها الخارجية، خصوصًا أذا ثبت أن هذه المصالح تتعارض مع توجهات معينة كانت هي السائدة في الماضي، فتضطرّ إلى تغيير ما في الأولويات، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلبًا على الجهات التي كانت تدعمها بكل الوسائل، المادي منها والمعنوي.
فوكيل وزارة الخارجية الأميركية دايفيد هيل زار جميع القوى السياسية، بإستثناء “التيار الوطني الحر”، المفروضة على رئيسه عقوبات أميركية، و”حزب الله” المشمول أيضًا بهذه العقوبات، وتتبع حركته هذه بعض المراقبين السياسيين، الذين إتضح لهم أن حركة الموفد الأميركي من خلال ما أدلى به من تصريحات، ومن خلال ما ابلغه للذين إلتقاهم، لا يحمّل أي جديد على صعيد حث اللبنانيين على تشكيل حكومة “مهمة”، بل إقتصر الكلام على ضرورة تأليف أي حكومة، حتى ولو كانت “كيف ما كان”، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ترسيم الحدود.
الحركة الروسية في إتجاه لبنان بدأت بتحرّك رئاسي لبناني تجاه موسكو، كخيار بديل عن المبادرة الفرنسية، ثم بزيارة وفد من “حزب الله” للعاصمة الروسية، وأخيرًا وليس أخرًا الزيارة التي يقوم بها الرئيس المكّلف سعد الحريري لموسكو، على أن تتوالى الدعوات لمختلف شرائح المجتمع السياسي اللبناني. فمن يراقب هذه الحركة يلاحظ أنها تأتي على خلفية الوجود الروسي في سوريا، والذي يفرض على الروس إستكمالها بتمتين العلاقات مع لبنان، وهو البوابة المفتوحة جغرافيا على حلفين لروسيا، سوريا من جهة الشمال والشرق، وإسرائيل من الجهة الجنوبية.
في الخلاصة الإستنتاجية، وفق بعض المصادرالسياسية القلقة على مصير لبنان، يمكن إدراج أي حركة خارجية في إتجاه لبنان ضمن خطوط طول وعرض ترسمها المصالح الخاصة بكل دولة، وهذا ما يُخشى منه عندما يحين وقت تصفية الحسابات، بحيث يرجّح أن يكون لبنان جائزة ترضية أو أن يذهب فرق عملة في حلبة صراع الفيلة.
Lebanon 24