تطورات متسارعة وحماوة شديدة في الإقليم.. كيف تترجَم لبنانيًّا؟
منذ أيام، تشهد المنطقة “حماوة” غير عاديّة، على وقع “التوتّرات” المرصودة على أكثر من جبهة، ولا سيّما على خطّ ملفّ إيران النووي، في ضوء الهجوم الذي استهدف منشأة نطنز النووية في إيران، وتوجيه المسؤولين الإيرانيّين أصابع الاتهام إلى إسرائيل مباشرةً بالوقوف خلفه، وما أثير عن “انتقام” إيرانيّ، قد تكون أولى “طلائعه” بدأت بالظهور.
وإذا كان الردّ الإيرانيّ على الهجوم جاء “نوويًا” من خلال زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المئة، الأمر الذي وصفه الرئيس الإيراني حسن روحاني بـ”المشروع” في مواجهة ما أسماه بـ”خبث الأعداء”، فإنّ مخاوف برزت بالجملة أن يقود الأمر إلى “مواجهة” إقليمية جديدة، عبّرت عنها بيانات “القلق البالغ” التي تعاقبت في الساعات الماضية.
ولعلّ “أخطر” ما في التطورات المتلاحقة نوويًا، أنّها جاءت بعد جولة أولى من المحادثات في فيينا، قيل إنّ “روح الإيجابيّة” غلبت عليها، ولا سيّما وأنّها أسّست لجوّ من “التفاهم” قد يقود إلى “تفعيل” الاتفاق النووي المُبرَم في العام 2015، أو بالحدّ الأدنى إلى إعادة إحياء النقاش في شأنه، بعدما “جمّد” منذ انسحاب الولايات المتحدة منه في عهد الرئيس دونالد ترامب.
لبنان غير معزول!
على الطريقة اللبنانية، ثمّة من سأل عن “حصّة” لبنان من هذا التوتّر الإقليميّ المتفاقم، خصوصًا أنّ البلد ليس “جزيرة معزولة”، وفق المقولة الرائجة، علمًا أنّ هناك من كان “يراهن” أصلاً على محادثات فيينا، بل يعتقد أنّ نتيجتها ستحمل “كلمة السرّ” الحكوميّة، فإمّا تؤدي إلى “الانفراج” في حال الاتفاق، أو إلى تكريس “الانفجار” في حال الخلاف.
ومع أنّ هذا الرأي يبدو “جاذبًا” للاختلافات، باعتبار أنّ الحكومة اللبنانية رُبطت بعشرات الاستحقاقات الإقليمية والدولية منذ ما قبل تكليف الرئيس سعد الحريري، وفي مقدّمها الانتخابات الرئاسية الأميركية، من دون أن يتغيّر شيء في واقعها على الأرض، فإنّ هناك من يصرّ على وجود “ترابط” مباشر بين “الالتهاب” الإقليميّ، وتداعياته المحتملة، والواقع اللبناني، خصوصًا في ضوء العلاقة العضوية بين إيران و”حزب الله”.
وفي هذا السياق، يسأل كثيرون عن موقف “حزب الله”، على سبيل المثال، من المعادلة “النووية” الجديدة، وما إذا كان سيجلس في صفوف “المتفرّجين”، أم يتحوّل إلى “لاعب رئيسي” على خطّ “الانتقام” الإيرانيّ المُعلَن من إسرائيل، في وقت يحذّر كثيرون من أنّ المعركة متى اندلعت، فإنّ كلّ “جبهاتها”، بما فيها تلك اللبنانية، ستتأثر تلقائيًا وبصورة مباشرة وفوريّة، وهو ما كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله لمح إليه في أكثر من مناسبة.
“الحلّ الوسط” الأكثر واقعيّة
هنا، يبدو أنّ وجهتي نظر متناقضتين لا تزالان “تتنازعان” الصورة، فهناك من يعتقد أنّ العقدة الحكوميّة هي داخليّة بالدرجة الأولى، ومرتبطة بـ”طموحات شخصية” لرئيس الجمهورية ميشال عون ومن خلفه رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، خصوصًا أنّ “حزب الله” عمليًا ليس “المعطِّل الحقيقيّ”، بل على العكس من ذلك، أظهر في أكثر من مناسبة، رغبة جدية بالإسراع بالتأليف وتسهيله، قدر المُستطاع.
لكن، في المقابل، ثمّة من يُصِرّ على أنّ الحكومة “المعلَّقة” باتت، بصورة أو بأخرى، رهينة المفاوضات الأميركية الإيرانية، بل أنّ الملفّ اللبنانيّ أصبح بحدّ ذاته “ورقة ضغط” مطروحة على الطاولة، من باب “الابتزاز” ربما، بدليل أنّ “حزب الله” لو أراد الحسم فعلاً، لاستطاع أن يفرض “شروطه”، ولعرف كيف “يَمون” على حلفائه لوقف مسلسل الاستنزاف والتعطيل الذي بات مملًا ويكاد يقضي على قدرة الشعب على الصمود.
وفي حين يبدو أنّ لكلّ من الرأيين مقوّماته، قد تكون “الواقعيّة” الحلّ الوسط الأفضل، فلبنان قد لا يكون أكثر من “تفصيل” في المشهد، لو وُجِد، حتى لو صحّ أنّ هناك من يريد استخدام ورقة الحكومة اللبنانيّة لتحقيق بعض المكاسب الآنيّة، التي لا تقدّم ولا تؤخّر. ويشير أصحاب المنطق “الواقعيّ” إلى أنّه بدل البكاء على الأطلال، قد يكون المطلوب من اللبنانيين، العمل بمقتضى المبادرات الدولية لتبصر حكومتهم النور، بعيدًا عن الشروط والشروط المُضادة.
ثمّة من “يتذرّع” بالتطورات الدراماتيكيّة في الإقليم ليقول إنّ هناك “فيتو” على ولادة الحكومة، وإنّ الأخيرة باتت “رهينة” حلّ هذا الصراع أو ذاك. لكن ثمّة من يعتقد، في المقابل، أنّ توتّرات الإقليم ينبغي أن تكون “حافزًا” للجميع، بالدرجة الأولى، للإقلاع عن كلّ المهاترات، والعمل على تأليف الحكومة سريعًا، لأنّ ما يمكن تحقيقه اليوم، قد يصبح عسيرًا في الغد، إذا ما وقعت “المواجهة الكبرى”، والتي يراها كثيرون “محتومة”!