“حرب المرسوم”: عون يتريث بانتظار المقايضة
مجددا حرب المراسيم إلى الواجهة بين المعنيين على مستوى ترسيم الحدود البحرية، وكل ذلك يشي حتى الساعة بأن ما أنجزته قيادة الجيش من احداثيات جديدة عدلت في مرسوم ترسيم الحدود البحرية، كان يمكن الاستفادة منها لو جرى التعاطي معها بايجابية ومن دون سوء نيات وبعيدا عن منطق الحسابات السياسية والسجالات البيزنطية، لكن يبدو ان تقاطع المصالح سياسيا سوف يعطل المرسوم التقني والقانوني المتكامل لقطع الطريق على إبراز قائد الجيش العماد جوزاف عون وكأنه الرجل الأبرز وطنيا في لبنان، خاصة وأن هذا الواقع يثير ريبة وهواجس قيادات سياسية لديها طموحات سياسية.
ما كان غير متوقع حصل، وقّع الوزراء المعنيون على مرسوم توسيع الحدود البحرية الذي حظي بموافقة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، والذي احالته الأمانة لعامة لمجلس الوزراء على رئاسة الجمهورية، لكن ما لم يكن متوقعا على الاطلاق هو عدم توقيع رئيس الجمهورية لهذا المرسوم بحجة انه يحتاج الى قرار الحكومة مجتمعة بناء على رأي هيئة التشريع والاستشارات حتى مع حكومة تصريف اعمال نظرا لاهميته وللنتائج المترتبة عليه.
كل ما يجري في لبنان من ترسيم الحدود الى التدقيق الجنائي لا يتجاوز تصفية الحسابات السياسية، فعندما تدق ساعة الحسم، يتراجع الحس الوطني عند المعنيين ليتقدم عليه صراع الاجندات الداخلية المتصلة باجندات الخارج وتقاطعها مع بعض المصالح المحلية الضيقة.
بين بيان رئاسة الجمهورية الذي يفرض ضرورة اجتماع حكومة تصريف الاعمال للبحث في المرسوم والموافقة عليه ولو استدعى الامر التصويت عليه، وبين إشارة الرئيس دياب في اكثر من مناسبة الى ضرورة الحصول على توافق سياسي حول المرسوم قبل انعقاد اي جلسة، فإن الدستور يفرض انعقاد جلسة لمجلس الوزراء حتى لو كانت الحكومة في تصريف الأعمال. وفي هذا الاطار يؤكد الخبير الدستوري والقانوني والاستاذ الجامعي عادل يمين لـ” لبنان24″ انه بحسب احكام الدستور الحكومة المستقيلة تتولى تصريف الاعمال بالمعنى الضيق، لكن الدستور لم يحدد حدود هذا المعنى ولا ماهيته بالتفصيل لذلك تولى الامر الفقه والاجتهاد، حيث انه من المسلم به ان الاعمال العادية التي لا ترتب أعباء على الدولة وتتعلق بإدارة شؤون الناس واجراء المعاملات في الادارات تدخل في مفهوم تصريف الاعمال، لكن ايضا تدخل في مفهوم تصريف الاعمال، الاعمال التصرفية بطبيعتها لكنها ذات صفة طارئة او ضرورية او عاجلة، فإذا اتسمت بأي من هذه الصفات تحولت من اعمال ذات طبيعة تصرفية الى نطاق تصريف الاعمال، وكذلك الاعمال التي تخضع لمهل قانونية يؤدي تجاوزها الى ضياع الحقوق. ولذلك يتعين على حكومة تصريف الاعمال ان تتولى القيام بالأعمال العادية بطبيعتها وكذلك الاعمال التصرفية بطبيعتها في حال اقترنت بصفة العاجلة او الطارئة او الضرورية او كانت خاضعة لمهلة يخشى مرورها ان يؤدي الى ضياع الحقوق”.
اضاف” وفي ما يتعلق بتعديل مرسوم الحدود البحرية الجنوبية فهو أمر ضروري وطارئ وعاجل ومن واجب حكومة تصريف الاعمال التصدي لتعديل المرسوم والانعقاد في جلسة لمجلس الوزراء لانها السلطة التنفيذية وفق احكام المادة 65 من الدستور ، علما بأن رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل في هذا الخصوص اكد الحاجة إلى ذلك، وإن لم يكن هذا الرأي ملزما بيد أنه في محله ويتعين الاعتداد به.
في خضم كل ما يجري فإن إطالة أمد التوقيع سيؤدي إلى تعقيد حل هذا الملف الوطني والسيادي وسوف يؤدي إلى بروز عوامل و ضغوطات من شأنها العودة بمرسوم الترسيم الى المربع الأول، علما أن مصادر مقربة من بعبدا تقول ل “لبنان 24 ” ان مرسوم الذي اعده وزير الاشغال ميشال نجار ووقع أدرج فيه بندا يشبه الفخ، يقول “أنه بناء لقرار مجلس الوزراء”، وبما ان رئيس الجمهورية ملزم بالتحقق من الآلية الدستورية، فإنه أحال الكتاب على أمانة مجلس الوزراء للدعوة الى جلسة مجلس الوزراء ليتاح له بعد ذلك توقيع المرسوم، مع اشارة المصادر إلى أن مسار الذي سيسلكه الملف غير واضح، وان كانت تعتقد أن الجلسة من شأنها ان تحرج حزب الله مع الرئيس نبيه بري المتمسك ب”اتفاق الاطار”.
وليس بعيدا ، تشدد مصادر بارزة ومعنية بهذا الملف ل “لبنان 24” ان عدم توقيع المرسوم مظهر من مظاهر الخلل السياسي، وشكل صدمة مخيبة للامال، خاصة وأن “المعارضين” لما ورد في المرسوم وقعوا عليه في النهاية، في حين أن قوة الدفع توقفت في قصر بعبدا وهذا لا يمكن فصله عن الدوافع المرتبطة بالاعتبارات الدولية، مع اعتقاد المصادر نفسها أن هناك تعمدا لعدم التوقيع بانتظار زيارة المسؤول الاميركي ديفيد هيل إلى لبنان التي تقتصر دوافعها على ملف الترسيم، وما سيتمخض عنها من نتائج تتصل بلعبة المقايضة بين مفاوضات الترسيم وإزالة العقوبات الأميركية عن النائب جبران باسيل لتختم المصادر متساءلة هل ما جرى كبوة حصان أم عرقلة كاملة؟