“العونيون” لم يهضموا كلام البطريرك: “المجد لبكركي لكنّ القرار لبعبدا”
“لا تدقيق جنائياً قبل تأليف الحكومة”، من دون أيّ مسايرة أو مواربة قال البطريرك كلمته ومشى، مجسّداً قول المسيح في إنجيل متّى: “لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ”، فكان كلامه “لا لا” من دون أيّ زيادة من “الشرير”.
لم يكن جديداً على البطريرك مار بشارة بطرس الراعي دعوته الدائمة والمتجدّدة إلى الإسراع بتشكيل حكومة تنقذ الشعب اللبناني من أزماته المتراكمة، وتصويبه على المسؤولين السياسيين “المعطّلين” للتشكيل، لكن الملفت في عظة الأمس كان قوله “لا” لمسألة يعتبرها رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، معركة “حياة أو موت” للشعب اللبناني.
“حقّ يراد به باطل”
لكنّ القارئ في ما بين سطور كلام “سيّد بكركي”، يلاحظ أنّ الأخير أراد الإشارة إلى أنّ طرح قضية التدقيق الجنائي في هذا التوقيت جعل منها قضية “حقّ يراد به باطل”، حيث باتت توظّف في البازار السياسي اللبناني وشماعة يتعلّق بها فريق رئيس الجمهورية ومن خلفه “التيار الوطني الحر” للمزايدة على الخصوم وحتّى الحلفاء أو “حلفاء الحلفاء”، وبالتالي اختلاق معارك لا طائل منها في هذا الظرف الدقيق.
في كلام البطريرك أيضاً إشارة إلى أنّ الطريقة التي طرح بها التدقيق في الشكل والتوقيت تشي بأنّ الطرح ليس جدياً، حيث قال إنّ “جدية طرح التدقيق الجنائي هي بشموليته المتوازية لا بانتقائيته المقصودة”، ومضيفاً أن “لا تدقيق جنائياً قبل تأليف حكومة”.
واستناداً إلى ذلك، فإنّه من الواجب تحديد الأولويات، على ما يقول مؤيّدون لكلام الراعي، “فاليوم الأولوية للإسراع بتسهيل تشكيل الحكومة التي تكمن مهمّتها في إنقاذ الوضع المنهار والذي يزداد سوءاً مع كلّ يوم تأخير”.
ووفقاً لهؤلاء “فإنّ ذلك لا يعني التغاضي عن التدقيق الجنائي، لكن ما الهدف من خوض معركة عبثية في هذا التوقيت فيما هموم الناس ومشاكلهم المعيشية اليومية في مكان آخر”.
“العونيون”: القرار لبعبدا
على المقلب الآخر، بدا جلياً أنّ المؤيدين لموقف رئيس الجمهورية “لم يهضموا” كلام الراعي، واعتبروا تغريدة عون على حسابه الشخصي على “تويتر” والتي قال فيها: “الفاسدون يخشون التدقيق الجنائي، أما الأبرياء فيفرحون به”، هي بمثابة ردّ على كلام البطريرك ورفض لمنطق “حماية الفاسدين”، على حدّ قولهم.
وبالنسبة لـ”العونيين”، فإنّ معارضة كلام البطريرك لا يُحرجهم “ولو كان أعلى مرجعية دينية مارونية، فصحيح أنّ مجد لبنان أعطي لبكركي لكنّ القرار اليوم لبعبدا”.
ووفقاً لهؤلاء، فإنّ كلام البطريرك لن يغيّر شيئاً بمسار الأمور، فالمعروف عن “الجنرال عون” خوضه للمعارك المحقّة حتّى النهاية ومهما كان الثمن.
ويرى “العونيون” أنّ التدقيق الجنائي لا يجب أن يكون بعد تأليف الحكومة، “بل يجب أن يكون الأولوية وقبل كلّ شيء وذلك بهدف كشف ناهبي أموال اللبنانيين ومحاسبتهم وهم الذين تسبّبوا بإفقارهم”.
من الواضح أنّ رئيس الجمهورية لن يتراجع – في الوقت الحالي أقلّه – عن التمسّك بشعار “التدقيق الجنائي الآن” والذي تحوّل إلى “ترند” لدى جمهور “التيار” على “تويتر”، فيما يبقى همّ اللبنانيين الأساسي الآن تأمين لقمة عيشهم اليومية وبنزيناتهم ومواجهة الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية الأساسية.. فهل من يسمع صرخاتهم؟