لبنان

حتى تنتهي جمهورية “البلا معنى”

كتب كبريال مراد:

سينتهي هذا الإنتظار يوماً ما. ستعود الأرض لتدور دورتها بشكلها الطبيعي، الاعتيادي، الذي لا تتحكّم به ضوابط “فيروس الكورونا” السمجة، ولا ترقّب نتائج “ليالي الأنس” في الطابق الثاني من مبنى في شارع ضيّق في فيينا، ينعكس على حياة الشعوب العربية من البحر الى النهر، وتصل تردداته الى بيروت، تأزيماً للوضع، او تسهيلاً لولادة الحكومة.

هو يوم، أم اسبوع، أم شهر، أم أكثر. لكن حلقة هذا الترقّب ستنكسر، على أمل ألا تكون على حساب هذه الجمهورية التي قامت يوماً على مبدأ “لا للشرق ولا للغرب”، فإذا بها تتحوّل، عند كل صافرة اقليمية ودولية، الى مباراة استعراض عضلات بين كل أمم الشرق وكل أمم الغرب، ونتحوّل معها، كلبنانيين، الى جمهور، لا يشاهد من المدرجات الرئيسة، بل يسترق السمع، من الزواريب المحيطة، علّه يعرف النتيجة.
من هنا، فوسط ما يحصل عندنا ومن حولنا، يعود السؤال الجوهري “أي لبنان نريد؟” ليطرح من جديد. فالتجربة أكدت المؤكد، أن الجمهورية العرجاء ستستمر بالأزمات كل عشر سنوات، ما لم تعيد ترميم “عوراتها” وتصحيح الخلل الذي ظهر بالممارسة. والاّ، فسيستمر التكاذب المسمى “دولة”، وهي بالفعل والواقع… دويلات، وكل دويلة منها، تحسب نفسها دولة!
“أي لبنان نريد؟”، هنا لبّ الموضوع. فنظرية اعتبار الدولة “بقرة حلوب” نعيش من خيراتها توظيفاً وهدراً وفساداً واستفادة من التلزيمات والمشاريع والصفقات سقطت، بعدما “نشّف المزراب” ولم يعد من شيء للتقاسم.
كذلك، أثبتت نظرية الحرب والسلم في بقعة جغرافية واحدة، أنها غير أزلية سرمدية، ويجب ان ترتبط بمدة انتهاء صلاحية، على اسس واضحة، تحفظ الكيان والإنسان.
فيما نظرية “الوطن الفندق” والبحر والجبل بنصف ساعة، لم تعد قابلة للتسويق في ضوء متغيرات المنطقة والاتفاقات الحاصلة من حولنا، والتي تحوّلت معها بضاعتنا القديمة، غير قابلة للتصريف في الاقتصاد والتجارة وباب الشرق والغرب.
فلنتمتّع بالجرأة اذا على القول “لقد أخطأنا”، حتى لا نخدش عنجهية البعض ونقول “لقد فشلنا”. الأهم ألا نبقى ندور في حلقة مفرغة من اللاقرار، واللامبادرة. فنضيّع مرة أخرى الفرصة بعد الأخرى، ونستيقظ متأخرين على واقع “يا ريت” التي “ما بعمرها عمّرت بيت”، كما كان يقول لي جدّي.
“لا يموت الانسان في السجن من الجوع أو من الحر او البرد أو الضرب أو الامراض أو الحشرات”، وفق الراحلة نوال السعداوي. لكنه قد يموت من الانتظار. فالانتظار يحوّل الزمن الى اللازمن، والشيء الى اللاشيء، والمعنى الى اللامعنى.
فلنبادر اذاً الى طرح “اي لبنان نريد؟” بجرأة، لمرة واحدة ونهائية. فتكون المئوية الثانية تأسيسية بالفعل والممارسة، لا نسخة طبق الاصل عن جمهورية “بابها مشرّع عل ميلين” لكل اضطرابات الأرض… لتكون لنا جمهورية، ويصبح لنا وطن، ولا تستمر حياتنا ويومياتنا “بلا معنى”.

mtv.

مقالات ذات صلة