لبنان

ثمن المنقوشة يتضاعف 5 مرات.. “أبو شادي” يروي حجم المأساة

نشرت وكالة “فرانس برس” مقالاً عن الواقع المتأزم في لبنان، جاء فيه: “داخل فرنه الصغير في أحد شوارع منطقة رأس بيروت، يتحسر أبو شادي على “بركة” باتت مفقودة، بعدما تضاعف ثمن المنقوشة 5 مرات على وقع انهيار اقتصادي غير مسبوق لم يستثن وجبة الفطور المفضلة لدى اللبنانيين.

أمام الفرن، أو “بيت النار” كما يسميه، يهندس أبو شادي مناقيش الزعتر، والجبنة، ويتفنّن في نثر السبانخ الخضراء، ورشّ الحر عليها، في إضافةٍ تميزه عن سواه من الأفران وتجذب زبائن من مناطق أخرى، على حد قوله.

ويقول الرجل لوكالة فرانس برس: “منذ 1987 وأنا على هذه الحال في هذا الفرن، بالبركة والخيرات، لكن اليوم ذهبت البركة، وذهبت الخيرات”.

وبينما يدخل العجين الى الفرن، يتلقى طلبيات عبر الهاتف مردداً “من عيوني” لكل متصل، ثم يمازح زبوناً ينتظر في المحل تلبية طلبه، وتارة يلوح بيده لأحد معارفه أثناء مروره بسيارته في الشارع.

لكن روح الدعابة التي تجعل كل من يقف أمام فرنه مبتسماً، وتدفع أحد زبائنه الى تلقيبه بـ”الملك”، سرعان ما تتلاشى عند سؤاله عن منقوشة الزعتر، وارتفاع ثمنها.

ويشرح بإسهاب “المنقوشة هي بمثابة الأم والأب للشعب اللبناني، هي أكل وعيش الغني والفقير”.

لكن على وقع الانهيار الاقتصادي الذي يرزح تحته لبنان منذ خريف 2019، ومع شح السيولة، وارتفاع جنوني في الأسعار، تراجعت قدرة اللبنانيين الشرائية، وخسر عشرات الآلاف وظائفهم، أو جزءاً من مداخيلهم، وباتت سلع ومنتجات عدة من الكماليات، بينها المنقوشة بالنسبة لكثيرين.

ويعبر أبو شادي عن أسفه لأن “الفقير لم يعد قادراً على أكل المنقوشة”.

ويتابع “كان ثمن منقوشة الزعتر بين ألف و1500 ليرة أي ما يعادل دولاراً، وباتت اليوم بـ5 آلاف، لكنها لا تعادل نصف دولار”، بينما يصل سعر أصناف أخرى إلى 10 و15 ألفاً.

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، تراجع معها سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار من 1500 الى حوالى 12 ألفاً في السوق السوداء.

وخلال أكثر من ثلاثة عقود عمل فيها يومياً في الفرن، اعتاد أبو شادي خاصةً في عطلة نهاية الأسبوع على إقبال زبائن يطلبون 7 أو8 مناقيش من الزعتر للفطور، لكن منذ شهرين أو أكثر لم يعد ير أياً منهم.

ويقول: “باتت المنقوشة للميسورين فقط، فمن يجني 30 أو 40 ألفاً يومياً لن يدفع ثمن منقوشة 5 آلاف، وعليه مصاريف أخرى”.

وعلى غرار كثيرين، لم يجد أبو شادي خياراً أمامه إلا رفع الأسعار، بعدما ارتفع ثمن كل المواد الأولية التي يحتاجها من زيت، وطحين، وزعتر، وأجبان، ومستلزمات الفرن من صحون، وأوراق يلفّ بها المناقيش الساخنة.

ويشير إلى عبوتي زيت قائلاً إن ثمنهما ارتفع من 86 ألف ليرة قبل الأزمة الاقتصادية إلى 980 ألفاً اليوم، جراء تدهور سعر صرف الليرة القياسي مقابل الدولار.

ويقول: “كنّا بألف نعمة ولا نشعر بأزمة، لكن وضع الناس تدهور كثيراً.. لم تمر علينا مثل هذه الأيام”.

بعدما تنضج كل منقوشة، وتلمع فقاعات الزيت فيها، يخفف أبو شادي النار داخل الفرن، توفيراً لمصروف الغاز. ويتحسر على أيام خلت كان يُشعل النيران في الثامنة صباحاً ولا يطفئها قبل الثالثة عصراً.

على براد خلفه، علّق أبو شادي قائمة بالأسعار الجديدة، وعلى جدار قربها مقالاً بالفرنسية داخل إطار خشبي، يقول إن صحيفة نشرته قبل نحو عامين، تثني فيه على نكهة وجودة إنتاجه.

ويقول محمود بينما يلتهم منقوشة بالكفتة والجبنة لفرانس برس: “أتردد منذ سنوات إلى هنا، من يعتاد على منقوشة أبو شادي، لا يمكنه استبدالها بأخرى مهما بلغ ثمنها”.

واسم أبو شادي، في رأي الأخير، يجعله قادراً على الإستمرار رغم الأزمة، بينما أفران صغيرة أخرى تضطر لإقفال أبوابها تباعاً.

ويقول بتأن: “بعد هذا العمر والاسم والتعب، ما زلت صامداً لأني أعمل بيدي.. ما يدفعه سواي لعامل الفرن، آخذه وأعيش به”.

ويضيف “اتكالي على الله، وعلى زندي” فقط.

المصدر: فرانس برس

مقالات ذات صلة