من اخترع حكاية “نقص الأوكسيجين”؟ ولماذا؟
كتبت نسرين مرعب في “أساس ميديا”:
“نحن شعب مقسوم في بلدين ونتنفّس من رئة واحدة”، بهذه العبارة علّق السفير السوريّ في لبنان عليّ عبد الكريم علي، على توجيهات الرئيس بشّار الأسد بتوفير 75 طنّا من الأوكسيجين للبنان.
توجيهات أتت بناءً على زيارة مباغتة قام بها وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن إلى سوريا، التقى خلالها نظيره السوريّ، والتقط صوراً “بروتوكولية”، سقط منها العلم اللبنانيّ كالعادة، ليخرج علينا مبشّراً بأنّ الحل السوريّ كان حاضراً لتخليص لبنان بـ3 دفعات تصل خلال 3 أيّام بمعدّل 25 طنّاً في اليوم بهدف إنقاذ لبنان من أزمته الحاليّة.
ولكن من أين خرجت اليوم أزمة الأوكسيجين؟
رئيس لجنة الصحّة النيابيّة عاصم عراجي يؤكّد لـ”أساس” أنّ هذا الموضوع لم يُطرح في اجتماعات اللجنة، موضّحاً أنّ نقيب المستشفيات الخاصّة الدكتور هارون هارون كان حاضراً في آخر الاجتماعات ولم يتحدّث عن نقص في الأوكسيجين.
عراجي، الذي “سمع في الإعلام” بعد زيارة حسن إلى سوريا وتصريحاته يقول: “كلّ ما أبلغنا به في اجتماعاتنا أنّ كمّيات المصل قد نقصت، وقد تحدثت عن هذا الموضوع”.
كذلك نفى هارون لـmtv وجود أزمة أوكسيجين في المستشفيات، قائلاً إنّه في لبنان مصنعيْن للأوكسيجين يلبّيان الحاجة المحلية. لكنّه استدرك لاحقاً أنّ “أحد المعملين أبلغ وزير الصحّة أنّه يعاني من مشكلة في استيراد مواد الأوكسيجين، فتوجّه حمد حسن إلى سوريا”.
وقد نشرت جريدة “الأخبار” أمس أنّه “تعذّر على باخرة محمّلة بالأوكسيجين تفريغ حمولتها بسبب أحوال الطقس وارتفاع موج البحر”، في ما يبدو أنّها الحجّة التي سارع حمد حسن لتلقّفها من أجل التواصل مع نظيره السوري وتقديم صورة “حكومة الأسد المُنقذة للبنان”.
عراجي، الذي “سمع في الإعلام” بعد زيارة حسن إلى سوريا وتصريحاته يقول: “كلّ ما أبلغنا به في اجتماعاتنا أنّ كمّيات المصل قد نقصت، وقد تحدثت عن هذا الموضوع”.
في لبنان شركتان تصنّعان الأوكسيجين، وهما شركة شهاب التي تنتج الكمّيّات الكبرى من الأوكسيجين في لبنان، وشركة Air Liquide. وقد تهرّبت الشركتان من الردّ على استفسارات “أساس” وأحالت المتّصلين إلى تصريحهما لـ”الوكالة الوطنية للإعلام”، كذلك فضّل هارون عدم التعليق، بعد التصريحين المتناقضين اللذين أدلى بهما.
نائب المدير العامّ لـ”شركة شهاب للأوكسيجين” خالد هدلا أكّد لـ”الوكالة” أنّ “هناك أزمة أوكسيجين في لبنان”، ثم قال: “شركتنا تنتج ما يكفي المستشفيات التي تتعامل معها”. ثم أضاف: “سبب النقص هو أنّ بعض الشركات تغطّي حاجتها بالاستيراد من دول أخرى، من بينها سوريا”. وهي ثلاث جملٍ غير مترابطة ولا تقول معلومة محدّدة.
في المقابل أصدرت شركة Air Liquide بياناً صادقت خلاله على “حكاية النقص”، موضّحةً أنّ “الشركات اللبنانيّة تعوّض هذا النقص من تركيا وسوريا وفقاً لحاجاتها وظروف النقل، لكن بعد صعوبات طرأت أخيراً على الاستيراد، ومنها عوامل النقل البريّ والبحريّ وتزايد الحاجات، وبعد اطّلاع وزير الصحّة العامّة الدكتور حمد حسن عليها، بادر مشكوراً إلى إجراء اتّصالاته الفوريّة لتفادي النقص في الأوكسيجين الطبّيّ”.
مدير الشركة فؤاد حدّاد، في حديث إلى “أساس”، رفض بدايةً التعليق، وأحالنا على البيان الصادر عن شركته، رافضاً زيادة “حرف” عليه. لكن بعد إلحاحٍ أجاب: “كنّا ذاهبين إلى نقص كبير وليس قليلاً، ووزير الصحّة علم بالموضوع وتدخّل وساعد”.
ونفى حدّاد أن يكون لأيٍّ من الشركتيْن فرعٌ في سوريا، كما تردّد: “الشركتان لبنانيّتان 100%. نتعامل مع المصادر كافةً من تركيا إلى سوريا، ومع أيّ مصدر يوفّر لنا الأوكسيجين. ولبنان كان يحتاج إلى 1000 طنٍّ من الأوكسيجين شهرياً، وكانت الكمّيّات المنتجة تكفي. أما اليوم فحاجة لبنان هي 2500 طنٍّ، أي أنّ النقص الشهريّ يُقدّر بـ1500 طن”.
في هذا السياق تسأل مصادر سياسيّة متابعة عبر “أساس” عن “التوقيت”، مستغربةً اللجوء إلى الدولة السوريّة لا إلى الشركات الخاصّة، وتسأل: “هل حكاية الأوكسيجين اليوم هي رسالة سياسيّة إلى من يطالبون بوقف التهريب من لبنان إلى سوريا؟”.
وزير الصحّة الأسبق غسّان حاصباني أكّد أنّه “من الناحية الصحّيّة لا دلالة على هذا النقص وهذه الأزمة”، مضيفاً لـ”أساس”: “دائماً نشهد نقصاً بين وقت وآخر، أو حاجة تزيد من وقت إلى آخر إلى الأوكسيجين، لكن لا يوجد نقصَ لافت في الوقت الحاضر”.
وأوضح حاصباني أنّه في حالات كهذه “كان يتم الاستيراد من دول مختلفة ومن القطاع الخاصّ في سوريا”، سائلاً: “هل توقّف لسبب ما الاستيراد من القطاع الخاصّ في سوريا؟ لكن هذا كان يمكن تعويضه بالاستيراد من أماكن مختلفة في حال كان هناك طلب وحاجة في السوق”.
ويوضّح حاصباني أنّ “لبنان يشهد حالاتٍ صحّيّةً طارئةً متزايدة، لكن لا حاجة صحّيّة تستدعي أن يذهب وزير ويبرم اتفاقاً مع وزير آخر في بلد آخر”. ويخلص إلى أنّه “من الصعب تحديد الأسباب المختلفة لهذه الزيارة، ولا بد من التوقّف عند آليّاتها، فأيّ اتفاق بين وزير لبنانيّ ووزير دولة أخرى يجب أن يخضع لموافقة رئيس الجمهوريّة استناداً إلى المادّة 52 في الدستور، إلا إذا أراد الرئيس التخلّي عن هذه الصلاحيّة لأحد وزرائه”.
وسأل حاصباني: “لماذا مادّة الأوكسيجين حصراً؟ العديد من السلع مقطوعة في لبنان. ويبدو أنّ العديد من الوزراء يحبّذون نسج علاقات مع الحكومة السوريّة كلما سنحت الفرصة، ولا أدري إن كانت هذه سياسة الحكومة العامّة أم لا. إضافة إلى ذلك لا نستبعد أن يكون في هذه الزيارة، التي تُقرأ من عدّة زوايا، رسائل سياسيّة”.
في الخلاصة، ليس واضحاً إذا كان هناك نقص في الأوكسيجين أم لا. لا يوجد أي وسيلة للتأكّد. الأكيد أنّ “الهمروجة” الإعلامية التي قام بها وزير الصحّة والجيش الإلكتروني التابع لحزب الله، لا تؤشّر إلى “حلّ أزمة طبية” بقدر ما تنحو إلى محاولة استثمار سياسي، مستفيدةً من لحظة سياسية حيث لا حكومة ولا سلطة، وحيث يحاول كلّ طرف أن يجمع ما أمكنه من أوراق في الوقت الضائع.