في ظلّ نظام كفالة سيّئ.. الأزمة تجبر اللبنانيين على العمل بالمهن “المحظورة”!
نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريراً أشارت فيه إلى أنّه على مدى عقود، اعتمد لبنان على العمال المهاجرين الذين تم استقدامهم من بلدان مثل بنغلاديش وإثيوبيا والفلبين، لتنظيف المنازل وتشغيل مضخات الغاز وتخزين رفوف السوبر ماركت. أما اليوم، فقد دفعت الأزمة الاقتصادية اللبنانيين إلى العمل في هذه المجالات التي تعدّ “محظورة” وفقاً للعقلية المجتمعية اللبنانية.
وبسبب هذه الأزمة، يعمل الشاب اللبناني، مروان حمادة (27 عاماً) سراً في تنظيف المكاتب في جميع أنحاء بيروت، وقال حمادة: “لا أحد يعرف من عائلتي. الفكرة لن تتوافق معهم”.
ووفقاً للتقرير، فإنّه وبدافع اليأس، تحول حمادة إلى التنظيف، وبعد أن كان يعمل في إصلاح الهواتف المحمولة، فقد وظيفته إثر الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، منذ تشرين الأول 2019 وخفضت منذ ذلك الحين قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 90%.
بالأرقام.. العمالة الأجنبية في البيوت تتراجع
هجرة اللبنانيين بالأرقام… بعد كورونا عشرات آلاف المهاجرين؟
في آب الماضي، كان حمادة مثقلاً بالديون ومسؤولاً مالياً عن والديه، وكان بحاجة إلى إيجاد عمل آخر.
من بين 40 موظفًا في شركة التنظيف التي يعمل بها، يعتبر حمادة اللبناني الوحيد بين البنغالية في الغالب. وقال: “بصراحة، أعرف أشخاصاً (لبنانيين) يحتاجون حقًا إلى عمل، لكن لا أحد منهم يعمل كعمال نظافة”.
وحاولت نيفين زرزور، رئيسة حمادة، توظيف المزيد من اللبنانيين، الذين يمكنها أن تدفع لهم بالليرة بدلاً من الدولار. لكنها فشلت في جذب العمال اللبنانيين، بسبب “ثقافة العيب ووصمة العار”.
نظام كفالة سيئ
ودعم الطلب على العمال الأجانب نظام الكفالة سيئ السمعة في لبنان، والذي يستنكره النشطاء لأنه يعرض العمال للعبودية الحديثة بـ”السخرة”. حيث يتم ربط إقامة العامل المهاجر في لبنان بصاحب العمل أو الكفيل.
ونادراً ما يتمتع عمال الكفالة بالضمانات الأساسية لأيام الراحة، أو تحديد ساعات العمل، أو حرية تبديل الوظائف.
ولكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان اهتزّ هذا النظام، حيث تشير سجلات وزارة العمل إلى أن الوافدين الجدد انخفضوا بنسبة 75% من 2019 إلى 2020.
وأصبح أصحاب العمل غير قادرين بشكل متزايد على دفع رواتب الموظفين، وأصبح العمال الأجانب الآن أقل ميلًا للمقامرة على لبنان.
ومع انخفاض الطلب، تقلص عدد وكالات التوظيف المحلية من حوالي 600 إلى 250 شركة، وفقًا لمصادر الصناعة.
وأكدت المجلة الأميركية أنّ الأزمة الاقتصادية قد تدفع بعض اللبنانيين للعمل في مجالات “محظورة” مجتمعياً، مثل التنظيف لتغطية نفقاتهم. لكن بالنسبة للجزء الأكبر، لا يزال الأجانب فقط هم الذين يبدو أنهم على استعداد للعمل في العديد من هذه الوظائف.
وقال هشام البرجي، صاحب مكتب توظيف عمالة أجانب لمدة 29 عاماً، عندما سُئل عما إذا كان شخص لبناني قد تقدم إلى وكالته للعمل، أجاب دون تردد: “أبدًا”.
وأضاف: “إذا تقدمت فتاة لبنانية بطلب، فإنّ معظم الأسر اللبنانية سترفض قبولها على أي حال. إنه شيء ثقافي”. وأوضح: “تفضل العائلات اللبنانية عمومًا عاملات المنازل اللاتي لا يتحدثن اللغة العربية وليس لديهنّ التزامات عائلية متنافسة في لبنان”. وتعتقد برجي أن “هذه العوامل مجتمعة تضمن خصوصية أكبر لأصحاب العمل وأن الخادمات يقل تشتيت انتباههن عن العمل”.
الأنفاس الأخيرة
وأشارت المجلة إلى أن لبنان فقد بريقه بالنسبة للعديد من العمال المهاجرين، لا سيما بعد ظهور جائحة كورونا والانفجار الكارثي في ميناء بيروت.
عاد سوبوج خان إيمون، الذي عمل لمدة 6 سنوات في سوبر ماركت في بيروت، إلى موطنه بنغلاديش العام الماضي. وقال: “حتى قبل الانفجار، لم نتمكن من العثور على دولارات. بقينا على أمل أن يعود كل شيء كما كان من قبل، لكنه لم يحدث”.
كما أغلقت وكالات التوظيف أبوابها بشكل جماعي، ولم يكد أي صاحب عمل على استعداد لدفع رسوم التوظيف. وقال برجي، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس نقابة مالكي مكاتب الاستقدام في لبنان (SORAL): “لم أر أزمة مثل هذه من قبل. هذه الصناعة تتنفس أنفاسها الأخيرة”.
حتى في مثل هذه الأوقات الاقتصادية الصعبة، تثبت صناعة الكفالة في لبنان أنها مقاومة بعناد للإصلاح. ففي العام الماضي، بدا أن النشطاء المحليين والدوليين قد اكتسبوا زخمًا جادًا في حملتهم الطويلة لبدء تفكيك النظام. اقترحت وزيرة العمل آنذاك لمياء يمين، عقدًا موحدًا لعاملات المنازل الوافدات، والذي من شأنه أن يكرس بعض حقوق العمل الأساسية، مثل يوم عطلة مضمون.
وفي تشرين الأول 2020، نجحت مؤسسة برجي في الطعن في العقد الموحد القياسي في أعلى محكمة إدارية في لبنان. يفضل برجي اتباع نهج أقل تدخلًا، والاعتماد على أرباب العمل الأفراد لضمان حقوق العمل.
وقالت روثنا بيغوم، باحثة أولى في مجال حقوق المرأة في “هيومن رايتس ووتش”: “إنهم يريدون أن يكونوا قادرين على التحكم في وسائل الاستغلال”.