منصّة جديدة للدولار في مصرف لبنان: المصارف تحوّلت إلى صرّافين ودولار لبنان بخمسة أسعار
فيما تتنصلّ حركة بورصة الدولار في بيروت من كلّ القواعد الإقتصادية، لترسم لمسار الصعود والهبوط المفاجئين سيناريو عجائبيا، يرتفع معه سعر الصرف عند منتصف الليل وفي عطل نهاية الأسبوع حيث لا أسواق مالية، ثم يعود ويهبط بأيام ثلاثة فقط حوالي أربعة الآف ليرة، من دون أن نفهم لماذا ارتفع ولماذا انخفض، وفيما يربك الدولار الملبنن حال البلاد والعباد، ويجن ّجنونه، ليتناغم بحركته وحال معرقلي الحكومة، في هذا التوقيت برز خبر إطلاق مصرف لبنان مرحلة العمل بالمنصة العائدة له “ليتمّ تسجيل كل العمليات وتصبح هي المرجع الاساسي للسعر الحقيقي للسوق”.
نحن فئة الشعب المذلول على أبواب المصارف والصيدليات والسوبرماركات والمستشفيات نسأل: هل نتلقف الخبر ببسمة افتقدناها منذ زمن ليس بقليل؟ ونتأمل أن تلجم المنصّة الجديدةالدولار في القريب العاجل؟ أم نمضي بثقتنا المفقودة بكلّ إجراءاتهم الشكلية لوقف عجلات الإنهيار؟
منصّة المصرف المفترضة، تمّ الإعلان عنها بعد اجتماع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومستشار رئيس الجمهورية للشؤون المالية شربل قرداحي “القرار يتضمن السماح للمصارف بدءًا من الأسبوع المقبل بالتداول في العملات، مثل الصرافين الشرعيين،وتسجيل العمليات بالسعر الحقيقي على المنصة، على أن تتابع لجنة الرقابة على المصارف حسن سير العمل، وسوف يتدخل مصرف لبنان لامتصاص السيولة كلما دعت الحاجة، حتى يتمّ ضبط سعرالصرف وفقا للآليات المعروفة”.
ماذا يعني هذا القرار عمليًا؟ ما دور المنصّة الموعودة؟ وما قدرتها على لجم الدولار بظل الواقع المأزوم سياسيا؟ كيف لمصرف لبنان أن يتدخل في السوق، وهو الذي استنزف احتياطه من العملات الصعبة على سياسة غبيّة بتوقيع الوزير “النقمة” في دعم سلّة فضفاضة فيها الكاجو وكماليات أخرى، لم يصل منها إلا القليل للمواطن، والباقي ذهب لمخازن التجار والمهرّبين؟
بعبارة مبسّطة المنصّة الجديدة جعلت من المصارف صرّافين، يبيعون ويشترون الدولار مثلهم مثل صرّافي السوق الموازية. منصّة المركزي هذه، تولد عشيّة الذكرى السنوية الأولى للمنصّة الإلكترونية وفق التعميم رقم 151 التي اتاحت للمودعين إجراء عمليات السحب من المصارف من أرصدة الدولار، بسعر 3900 ليرة.
المنّصة الأولى وفق قراءة الخبير المالي والإقتصادي الدكتور باسم البوّاب، فشلت في فرض سعرها، الذي اقتصر على بعض الإجراءات كتحويل الأموال للعمال الأجانب لفترة قصيرة، وسحب المودعين لبعض أموالهم وفق كوتا محدودة شهريًا، في حين لم تمنح المصارف الدولار للتجار وفق سعر المنصّة.
البوّاب في حديث لـ “لبنان 24” رأى أنّ إطلاق المنصّة مرّة ثانية سيترافق مع تغيير ما، وسيؤدي إلى سعرين للدولار في المصارف، سعر المنصّة الأولى وفق 3900، وسعر آخر وفق المنصة الجديدة “أعتقد أنّ سعر المنصّة الجديدة سيكون متقاربًا للسعر المعتمد في السوق الموازية، كما حصل في الثمانينات بحيث كان سعر الصرف يحدد من قبلمصرف لبنان من دون أن يتمّ الإعتراف بذلك، وينسب إلى الصرّافينفي العلن، لكن فعليًّا، كان يحصل تنسيق دائم بين الصرّافين والمركزي لتحديد السعر، بعد تقييم عملية العرض والطلب”.
أضاف البواب “هذه العمليّة ستتيح لمصرف لبنان أن يكون لاعبًا ولكن بشكل محدود، نظرًا لعدم قدرته على التدخل في السوق بشكل كبير، ولكن من الممكن أن يتدخّلعندما يرتفع حجم الطلب فيعرض لتهدئة السوق، أو عندما يهبط السعر بسرعة يجمع الدولارات ليتمكن من التدخل مجددًا عند ارتفاع السعر. بالمقابل سوق الصرّافين سيبقى لعدم قدرة المركزي على تأمين كلّ حاجة السوق عن طريق المصارف، التي ستنضم بصورة شرعيّة لسوق الصرّافين”.
في نيسان المقبل ينتهي مفعول التعميم 151 الذي حدّد سعر الدولار وفق 3900، وبنظر البوّاب سيتم تمديد العمل به مع احتمال رفع السعر إلى 5000، وهكذا يصبح للدولار في لبنان أسعار متعدّدة، السعر الرسمي وفق 1500 ومن خلاله يدعم مصرف لبنان ثلاثية السلع الحيوية المحروقات والأدوية والطحين، سعر المنصّة 3900اقتصرت على سحب أموال المودعين، سعر السوق الموازية الذي يحلّق من دون كابح، سعر استحدث لقرض البنك الدولي للعائلات الأكثر فقرًا، وسعر المنصّة الجديدة.
هل ستتمكن منصّة المركزي من ضبط دولار السوق الموازية؟
وفق مقاربة الدكتور باسم البوّاب لن يكون للمنصّة المستحدثة تأثير كبير على مسار الدولار “الإيجابية الوحيدة تكمن في تخفيف الفروقات الكبيرة ببورصة الدولار صعودًا وهبوطًا، كون مصرف لبنان سيكون قادرًا على التدخل بعرض أو بطلب، من شأنه أن يعيق الهامش الكبير لتقلبات الدولار يوميا، وأن يحدّ من الفروقات الكبيرة كما يحصل حاليا. ومن شأن ذلك أن ينعكس ثباتًا نسبيًّا في عملية التسعير، فلا تتغير أسعار السلع بين يوم وآخر وساعة وأخرى كما يحصل في الوقت الراهن”.
مهمّة متابعة “حسن سير العمل” في منصّة المركزي عُهد بها إلى لجنة الرقابة على المصارف، وفي ذلك علامة استفهام “فلماذا لا تكون المتابعة لغرفة العمليات النقدية للبيع والشراء في مصرف لبنان، فضلًا عن علامات استفهام لجهة إلتزام المصارف بحسن التطبيق، وهي التي لم تلتزم بأمور أخرى كالدولار الطالبي والرسملة وغيرها” قال البوّاب، “الفكرة جيدة والعبرة بحسن التطبيق”.
بالمحصّلة المنصّة الموعودة قد تكون نتاج ضغوطات سياسية على الحاكم، للتدخل في السوق بما بقي من أموال المودعين، ومنع قفزات كبيرة محتملة للدولار بالتوازي مع فشل تأليف حكومة، للإيحاء بأنّ عدم التأليف لن يرفع سعر الصرف، هذا الإحتمال يعني أنّ أهل الحل والربط سيفعلون أيّ شيء لعين لتعطيل حلول لا تخدم مصالهم الشخصيّة الفئوية المقيتة، وعندها سيكون مصير المنصّة المرتقبة مشابه لقرار توقيف الصرّافين والمنصّات الإلكترونية.