بين اليرزة وبعبدا… أبعد من معركة رئاسية!
خلافًا لما حاول البعض تصوير كلام قائد الجيش العماد جوزاف عون على غير مقاصده وحقيقته، فإن ما قاله القائد جاء بعد معاناة طويلة من محاولات التضييق على المؤسسة العسكرية بهدف التقليل من الدور الذي يقوم به شخصيًا، منذ اليوم الأول لتعيينه، من أجل المحافظة على معنويات الجيش على رغم الظروف الصعبة التي يعيشها على مختلف الصعد، ولا سيما المعيشية منها. فعناصر الجيش هم جزء لا يتجزأ من بيئتهم، ويعانون كما سائر اللبنانيين من الحالة الإقتصادية المتأزمة، خصوصًا بعدما فقدت رواتبهم قيمتها الفعلية بعد جنون أسعار صرف الدولار على حساب الليرة اللبنانية، التي شهدت تراجعًا غير مسبوق في خلال السنة المنصرمة، مع ما تبع هذا التدهور من فلتان في أسعار السلع الإستهلاكية على رغم دعمها.
بعض المغرضين الذين يُصنَّفون في خانة المحرتقين لم يعجبهم كلام القائد فحاولوا التصويب عليه من غير زاويته الحقيقية، وعمدوا من خلال بعض المقالات الصحافية و”الجيوش الالكترونية” الى الإساءة إلى مقاصد العماد عون، وذهبوا في تفكيرهم إلى أبعد مما كان يتخيله البعض، وذلك بهدف حرف الحقائق وتشويهها ووضعها في إطار مختلف عن مضامينها، خصوصًا أن الكلام الذي قيل في اليرزة تزامن مع كلام قيل في بعبدا، وما بين الأثنين إنحاز المواطنون إلى الأول تلقائيًا، لأنهم إعتبروا فيه تصويبًا للمسار الإنحداري في الأداء والسلوك.
حاول هذا البعض وضع كلام قائد الجيش في إطار السعي إلى رئاسة الجمهورية، وإن كان آوان المعركة لم يحن بعد فعليًا، وقد يكون ما هو مسموح لهذا البعض ممنوعًا على الآخرين، وذلك بهدف تسييس المواقف التي أعلنت بشفافية وموضوعية بعدما طفح الكيل، وبعدما بلغت التدخلات السافرة والوقحة في الشؤون الداخلية للمؤسسة العسكرية حدودًا لم يعد من الجائز السكوت عنها، لأنها بكل بساطة تسيء إلى التراتبية العسكرية والإنضباط والسلوكية العامة، مما بات يؤثر سلبًا على معنويات العناصر العسكرية.
ما قيل في اليرزة لا يُقال كل يوم، وهو كلام عبّر بكل صدق عمّا يختلج في صدور المواطنين، الذين ضاقوا ذرعًا بما يُقال كل يوم من كلام إستهلاكي أثبتت التجارب أنه لا يقدّم ولا يؤخّر، بدليل أن الأوضاع في تراجع مستمر، وأنه لم يتحقّق أي شيء من الوعود الكثيرة التي أُطلقت منذ أن بدأت ملامح الإنهيار تلوح في الأفق، أي منذ اليوم الذي خرج فيه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي من قصر بعبدا، بعد إجتماعه بالرئيس عون، ليعلن أن البلد مفلس وعلى شفير الإنهيار، وهو كلام سمعه من رئيس الجمهورية الذي لم يكن موافقًا على إخراجه إلى العلن خوفًا من ثورة الشعب، والدليل المحاولات التي قامت بها دوائر القصر الجمهوري آنذاك لتجميل تصريح الراعي.
لقد فعل كلام القائد فعله وأغاظ الطبقة الحاكمة وأفشل بعض المخططات التي كانت تستهدف الجيش، آخر معاقل التعبير عن صمود المواطنين بعدما تهاوى القطاع المصرفي، وأثمر أملًا لدى عامة الشعب المنتفض ضد الطبقة الحاكمة، وقد رأت في هذا الكلام بداية خلاص مما يتخبط به الوطن من أزمات من دون أن تلوح في الأفق القاتم أي بوادر حلحلة.
فلو أُعطي هذا الشعب حق إنتخاب رئيس للجمهورية مباشرة، وهذا ما كان يطالب به الرئيس عون قبل إنتخابه رئيسًا، لأتت النتائج على عكس ما هي عليه الحال اليوم.