لبنان

هل “تحرّك” مواقف الراعي ملفّ الحكومة أم “تجمّده”؟!

خلال الأيام القليلة الماضية، استحوذ البطريرك الماروني بشارة الراعي على “صدارة” الاهتمام في لبنان. كلّ الأنظار اتّجهت إلى بكركي منذ ما قبل السبت، وتركّزت على مضمون كلمته خلال “تجمّع السبت”، وما انطوت عليه من “رسائل” في أكثر من اتّجاه، قبل أن تُسلَّط على “ما بعد” الكلمة، على مستوى انعكاساتها على الاستحقاقات العامة.

ومع أنّ مواقف الراعي، وفي مقدّمها دعوته إلى “تدويل” الملفّ اللبنانيّ، جاءت على خلفيّة “التخبّط” الحكوميّ المستمرّ، وبعد اصطدام المبادرة التي أطلقها نهاية العام الماضي بحائطٍ مسدود من الشروط والشروط المُضادة، فإنّ “البازار” الحكوميّ بدا الغائب الأكبر عن “الحركة” التي أحاطت بتجمّع بكركي، سواء بالتمهيد له، أو بمواكبة نتائجه.

ولعلّ خير دليلٍ على ذلك أنّ “أسبوع بكركي”، إن جازت التسمية، انتهى حكوميًا تمامًا كما بدأ، من دون أن يُرصَد أيّ تطوّر “نوعيّ”، إيجابًا أو سلبًا، على خطّ الحكومة، فيما بقيت طريق بيت الوسط –بعبدا “مقطوعة”، على وقع الكلمتين الأخيرتين لكلّ من رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري، ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، واللتين زادتا الأزمة تعقيدًا.
الراعي يفعّل مبادرته… بعد لقاء عون موفد في بيت الوسط وفرنسا تضغط من جديد
لا حكومة هذا العام… الحريري في عطلة وترقب للتغيرات الاقليمية

زاويتان متباينتان

من هنا، يمكن النظر إلى انعكاسات “حِراك بكركي” المستجدّ من زاويتين مختلفتين، وربما متباينتين، إذ ثمّة من يعتبر أنّ الهدف الأساسيّ للبطريرك الماروني خلف كلّ ما يقوم به، هو “تحريك” الملفّ الحكوميّ بأيّ وسيلةٍ مُتاحة، بعدما وجد أنّ “الوساطات” التقليديّة لتقريب وجهات النظر لم تُجدِ نفعًا، في ضوء “عجزه” عن “كسر الجليد” بالحدّ الأدنى بين الخصوم.

بهذا المعنى، ثمّة من يعتبر أنّ “الضجّة” التي أرادتها بكركي خلف مواقف الأسبوع الماضي، المباشرة وربما “الصدامية” في مكانٍ ما، توخّت من خلالها إحداث “صدمة” ما، قد تمهّد لإعادة “توجيه” الأمور كما ينبغي، وبما يعيد ملفّ الحكومة إلى موقعه البديهيّ والمفترض على رأس سلّم “أولويات” هذه المرحلة، خصوصًا أنّ السجال حول “التدويل” وغيره لا طعم له، في حال أنتج اللبنانيون حلّاً للأزمة من تلقاء ذاتهم.

لكن، في مقابل وجهة النظر هذه، ثمّة من يعتبر أنّ حِراك البطريرك من شأنه زيادة المشهد ضبابيّة والأزمة تعقيدًا، بل إنّ هناك من رأى أن البطريرك، رغم احتفاظه بالهيبة والحيثية والرمزية وغيرها من العوامل التي يوفّرها له موقعه، لم يعد قادرًا على أن يكون “الوسيط المحايد”، خصوصًا في ضوء “الامتعاض” الذي أبدته أوساط “التيار الوطني الحر”، ولو أنّها حاولت إخفاءه أو التقليل من وقعه، بصورة أو بأخرى، في العَلَن.

لا جديد حكوميًا!

لكن، وبمُعزَلٍ عن الزاوية التي ستغلب على الأخرى في نهاية المطاف، يبقى الأكيد، في الانطباع الأولي على الأقلّ، أنّ ما جرى لم يغيّر شيئًا في الواقع الحكوميّ الذي لا يزال يراوح “جموده”، في ضوء تمسّك فريق “العهد” بمقاربته للأمور، في مقابل “اعتكاف” رئيس الحكومة المكلَّف غير المُعلَن، مع تمسّك الأخير بما أعلنه سلفًا من “ثوابت”، يرفض الرجوع عنها.

وفي وقتٍ انتشرت معلومات في الساعات الماضية عن جولةٍ خارجيّة جديدة سينطلق بها الحريري، ويكسر من خلالها “اعتكافه”، فإنّ أيّ موجات “تفاؤل” بإمكانيّة نجاحها في تحقيق أيّ “خرق” لم تُرصَد، علمًا أنّ هناك من يعتقد أنّ الملفّ سيبقى على حاله حتى إشعارٍ آخر، قد لا يسبق زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية، والتي لم يكن تأجيلها حتى أواخر الشهر، “مبشّرًا” للعاملين على الخطّ الحكوميّ.

وفي الانتظار، يبدو أنّ تصلّب “العهد” سيستمرّ، علمًا أنّ أوساط الأخير لم تتردّد في الساعات الماضية في “انتقاد” الحريري بصورة مباشرة، على خلفية المعلومات عن جولة خارجية جديدة، مذكّرة إياه بأنّ طريق بعبدا “أقرب” من كلّ العواصم، وما عليه سوى سلوك دربها، للاجتماع مع رئيس الجمهورية، حتى الوصول إلى “اتفاق” ينهي الأزمة الحكومية المتفاقمة، هذا لو أراد فعلاً تشكيل حكومة كما يردّد.

فعلت مواقف الراعي فعلها في الأجواء الداخلية العامة. فهي أطلقت مناخًا مختلفًا، وبلورت “خارطة” سياسيّة جديدة، وربما أسّست لجولة “حوارية” جديدة على عناوين “إشكاليّة” بالجملة. لكنّ الأكيد أنّ تردّداتها الحكوميّة تبقى بعيدة المنال، في ظلّ “تعنّت” مستمرّ يرفض أطراف الصراع “كسره” حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا…

.lebanon24

مقالات ذات صلة