لبنان

المطران عوده: لكي يعاقِبَ السياسيون القاضي الذي تطاول على حصاناتِهم أقصوه

أكد متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده أنّ وطننا يعاني أزمةً لم يَـعـرفْ مثيلاً لها في تاريخِه، “لكنَّ المسؤولين فيه يتجاهــلون الواقعَ المرير، ويعــتمدون تدميراً مُــمَــنـهَـجاً لمفهومِ الدولة، بـتــقــويضِ ثـقـافةِ الديمقراطيةِ فيها، وعدمِ احترامِ الدستور، وابتكارِ أُسُــسٍ جديدةٍ تتماشى مع مصالِحهم وتـلبّي طموحاتِهم”.

وتابع: “الشعبُ يعاني الوباء الـمـتـفشي، والبَطالة والجوعِ والـعَــوَزِ، وهم يتنافسون على الهيمنةِ وتحصيلِ المكاسبِ وتقاسُمِ منافعِ السلطة. ويطالعوننا بشعاراتٍ ومحاضراتٍ عن مكافحةِ الفساد واستعادةِ الحقوقِ وتحقيقِ العدالة”، متسائلاً: “ألم يسمعوا أنَّ المواطنين يريدون استرجاعَ حقوقِهم منهم، واسترجاعَ السلطةِ منهم، لأنَّ اللبنانيين شبعوا شعاراتٍ ووعوداً، ويدركون أنَّ الفسادَ لا يُحارَبُ بالشعاراتِ والخطاباتِ إنَّما بالأفعال، وأنَّ حقوقَ المسلمين وحقوقَ المسيحيين تكونُ بإعطاءِ اللبنانيين حقوقَهم، وإعادةِ أموالِهم دون تمييزٍ بينهم، وببناءِ دولةٍ قويَّـةٍ عادلةٍ لا تميّزُ بين مواطنٍ وآخر بِغَـضِّ النظرِ عن ديــنِه وطائــفــتِـه وانـتـمـائِه. حقوقُ اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، تكونُ في بناءِ إقتصادٍ متين، وتطبيقِ الإصلاحاتِ الضروريةِ من أجل إنقاذِ الدولةِ، وتحديثِ إدارتِها، وتطهيرِها من كلِّ مستغلٍ وفاسد، وفي تحصينِ القضاء، وإبعادِ سلطةِ السياسيين عنه. لقد طـالــبْـنـا منذ أسبوعين بانــتــفـاضةِ القـضاءِ على السياسةِ، فإذا بالسياسيين يـنـقـلبون على القضاءِ ويُمعِـــنون في غِــيِّهم”.

وأضاف، في عظته: “الكارثةُ التي حلَّتْ بالعاصمة كانت كبيرةً جداً، وخـلّـفــتْ مئاتَ الضحايا والجرحى وآلافَ البيوتِ المنكوبة”، متسائلاً: “ألا يحقُّ للمواطنِ أن يطلبَ تـفسيراً؟ ألا يحقُّ لذوي الضحايا أن يطالبوا بالحـقـيـقـة؟ وأن يـتـوخوا تحـقـيـقـاً شاملاً واضحاً لا يميّزُ بين المذنبين ولا يتستّرُ على أحد؟ ألا يحقُّ لهم أن ينادوا أنْ لا كبيرَ أمام القانون، وأنَّ موقعَ أيِّ مسؤولٍ ليس أغلى من دمِ أبنائهم؟”.

ورأى عوده أنّه “من حقِّ المفجوعين بفلذاتِ أكبادِهم أن يعرفوا الحقيقة. من حقِّهم ومن حقِّ أهلِ بيروت المقهورين أن يعرفوا مَـنْ كان سببَ الفاجعةِ التي ألمَّت بهم. من حقِّهم أن يعرفوا من استـقـدمَ الموادَ التي فجّرتْ بيوتَهم وأبناءَهم، ومن وافقَ على تخزينِها في المرفأ سبعَ سنواتٍ دون أن يؤنّبَه ضميرُه، أو مَــنْ تغاضى عن تخزينِها، ومَـنْ قَـصَّرَ في اتخاذِ الإجراءات أو تحمُّلِ المسؤولية. لقد اسـتـبـشـروا خيراً عندما عُـيّن محقـقٌ عدلي استشفّوا من سلوكِه عِــنادٌ في العملِ من أجلِ كشفِ الحقيقة، لكنَّ خيبةَ الأملِ لم تتأخرْ إذ أبى مَنْ استُدعوا من السياسيين إلى المثولِ أمامَه الاستجابةَ لطلبِه مستظلّين حصانتَهم، وكأنَّ الحصانةَ درعٌ لحمايةِ المذنب، أو كأنَّ المركزَ، مهما علا، حصنٌ له”، متسائلاً أيضاً: “ألا يـخـجـلُ السياسيون من الإختـبـاءِ وراء حصاناتِهم؟ وأين حصانةُ المواطنِ المجروحِ أو المنكوب؟ أما البريءُ فلا يهابُ شيئاً”.

وأضاف: “لكي يعاقِبَ السياسيون القاضي الذي تطاول على حصاناتِهم أقصوه، وكأنَّ الحـقـيقةَ تـقــفُ عند خطوطٍ حمراء لا يجوزُ تجاوزُها. إنْ غابتْ العدالةُ في بلدٍ انهار، لأنَّ غيابَ القضاءِ العادلِ المستـقـلّ، يعني غيابَ المحاسبة.عندها تغيبُ الحقيقةُ والإصلاحُ ومكافحةُ الفساد، وتسودُ الفوضى، وتعمُّ شريعةُ الغاب. هل يُعاقَـبُ قاضٍ قام بواجبه؟ هل يُــعـقـلُ السكوتُ عن بركانٍ على كتفِ العاصمة، فجَّــرَها وفجَّــرَ أهلَها؟ بعدما ضاع كلُّ الوطن هل تريدون تضييعَ الحقيقة؟ أملُنا أن لا يخشى المحـقِّـقُ الجديدُ إلاَّ ربَّهُ، وأن لا يجعلَ الصِّغارَ فديةً عن الكبار. وطوبى للقاضي العادلِ الذي يحكمُ بالحق ولا يسخّرُ ضميرَه مقابلَ مركزٍ أو رَشوة. أما إذا لم يتمكَّن القضاءُ اللبناني من الوصول إلى الحقيقة، فلا نَــلومَــنَّ اللبنانيين إذا تطلَّعوا إلى الخارج”.

وأكّد: “إنَّ السياسةَ ليست طريقاً إلى الشهرةِ أو الثروةِ أو التحكُّمِ برقابِ الشعبِ وجَـنْيِ المكاسب، بل هي عملٌ شاقٌ ومتعبٌ، لأنه يستـنـفـدُ طاقاتِ العقلِ والجسدِ من أجلِ الخدمةِ والخيرِ العام. إنَّ من اختار العملَ في الوزارةِ أو النيابةِ أو في أيةِ وظيفةٍ عامة هو موظفٌ عند الشعب، واجبُه خدمةُ الشعب لا استغلالُه. لكنَّ العملَ في الحقلِ العامِ عندنا هو بابٌ للإسترزاقِ واستغلالِ النفوذِ والتحايلِ على الدستورِ وعلى القوانين، وإلاَّ كيف دخلتْ الموادُ المتفجرةُ إلى المرفأ، ولماذا تمييعُ التحـقـيق؟ ولماذا يتمُّ تعطيلُ المؤسسات؟ ولِــمَ لم تُــشكَّــلْ حكومةٌ وُعــدْنا بها منذ أشهرٍ وما زالت في غياهبِ المجهول؟”.

واعتبر أنّه “في العالم الراقي يستـقـيلُ المسؤولُ بعد فاجعةٍ بحجمِ انفجارِ المرفأ، أو بعد خطأ أو تقصيرٍ أو فضيحة، أو عند عجزِه عن القيامِ بواجباتِه الوطنية”، متسائلاً: “ألا يُحرقُكم دمُ الطفلة ألكسندرا، والشاب الياس، ودماءُ رجالِ الإطفاء، ودماءُ الممرضات وكلِّ ضحايا الانفجار المجنون؟ ألا يُخجلُكم منظرُ أحياءِ بيروتَ المدمَّرة؟ ألا يقضُّ مضاجعَكم أنينُ اللبنانيين؟ تــتـلهّـون منذ شهورٍ بـجـدالاتِــكم العــقــيمة، ومطالِبكم وشروطِـكم، والبلدُ ينهار. هل فـقـدتم إنسانيتَـــكم؟ أليس في صدورِكم قـلوبٌ تَــخْــفُــقُ وتــتــألّـــمُ وتـَـدمـى؟ عودوا إلى ضمائرِكم إن كان هناك من ضمير. عودوا عن أخطائكم. توبوا إلى ربِّــكم”.

Lebanon 24

مقالات ذات صلة