ربطة الخبز إلى 3000 ليرة؟
لم يكد سكان لبنان يستوعبون زيادة سعر ربطة الخبز إلى ٢٥٠٠ ليرة، حتى بدأ وزير الاقتصاد راوول نعمة التحضير لزيادتها مرة أخرى. هذه المرة هدفه الوصول إلى سعر ٣٠٠٠ ليرة، ويتوقع أن يعلن ذلك رسمياً الأسبوع المقبل. الحجة دائماً حاضرة: الزيادة العالمية في أسعار القمح وارتفاع سعر الدولار الذي يؤثر على نسبة الـ١٥ في المئة التي يدفعها المستوردون من سعر القمح، وعلى أسعار باقي المكوّنات التي تدخل في صناعة الخبز. هذه المرة يحمل معه سبباً جديداً وهو رفع الدعم عن السكر، ما أدى إلى «تكبّد» الأفران تكاليف إضافية.
هكذا هو راوول نعمة. عينه على لقمة الفقراء. لا يجد غيرها لينقضّ عليها، ظاناً أنها ستُنقذ الاقتصاد الذي ساهم هو وشركاؤه السياسيون والمصرفيون في انهياره. أما الاحتكارات والوكالات الحصرية التي تنهش الاقتصاد المسؤول هو نفسه عن استقراره فلا تعنيه. ببساطة، وخلال أشهر قليلة رفع وزير الاقتصاد سعر ربطة «الخبز العربي» إلى الضعف، علماً أن القمح لا يزال مدعوماً على سعر ١٥٠٠ ليرة. وهذا القمح يُستعمل لصناعة منتجات أخرى غير محددة السعر رسمياً، ما يحقق هوامش ربح ضخمة لكارتيل الأفران الذي يحميه وزير الاقتصاد بدلاً من أن يشدد الرقابة عليه، لما يُشكّله الخبز من مادة أساسية في حياة الناس. دعم القمح هو الأقل كلفة بين كل السلع المدعومة الأخرى. ما يزيد قليلاً عن 100 مليون دولار يدفعها مصرف لبنان لدعم هذه المادة. لكنه في المقابل يدفع نحو ثلاثة مليارات دولار لدعم المحروقات، التي يستفيد منها الأثرياء أكثر من الفقراء.
الخبز الأبيض للفقير. وهو لذلك سلعة استراتيجية، يشكل المسّ بها مساً بالأمن الاجتماعي للناس. هذا في المطلق، فكيف إذا كان الواقع مأساوياً، وإذا كانت نسب البطالة ترتفع بشكل مطّرد، والقدرة الشرائية حتى للذين حافظوا على دخلهم قد انهارت؟ كل ذلك ليس مهماً بالنسبة إلى وزير الاقتصاد. المهم أنه قرر. وعلى طريقة وزير الصحة حمد حسن، قراره سيادي. لكنه حكماً لا يقدّر تداعياته.
لأنه عُيّن بالصدفة وزيراً للاقتصاد، ظنّ نعمة أن بإمكانه نحر الناس. لكن مع ذلك ليس وحده المسؤول. رئيس الحكومة مسؤول أيضاً عن هكذا قرار وعن نتائجه. الحكومة كلها مسؤولة. خاصة أن أعضاءها يدركون أن الهدر الفعلي يتمثل في دعم المحروقات، بنزين ومازوت، حيث يذهب معظمه إلى غير مستحقيه. في القمح لا يحصل ذلك. وإن حصل فبهامش ضيّق. وحتى مع افتراض أن نسبة الهدر هي نفسها في البنزين والقمح، فإن ذلك يعني أن المليون دولار التي تُهدر هنا يقابلها هدر ١٠ ملايين دولار هناك