لبنان

الراعي: ندعو الى عدم تخصيص أي حقيبة وزارية لاي فريق واتباع قاعدة المداورة

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، على نية شهداء الجيش، عاونه المطران حنا علوان، أمين سر البطريركية الاب فادي تابت، بمشاركة المطران مطانيوس الخوري والقيم البطريركي الاب طوني الآغا.

حضر القداس ممثل قائد الجيش العميد الركن حنا الزهوري، ممثل المدير العام لقوى الامن الداخلي العقيد الياس ابراهيم، رئيس مخابرات بشري الرائد ايلي زكريا، آمر فصيلة درك بشري النقيب سيدريك سلوم، الملازم يوسف مطر من فوج حرس مدينة بيروت، رئيس الرابطة المارونية نعمة الله ابي نصر، سفير الاعلام العربي في الشمال والملحق الاعلامي في الوادي المقدس الزميل جوزيف محفوض، رئيسة مؤسسة الشهيد صبحي العاقوري السيدة ليا العاقوري، وعدد من المؤمنين التزموا الاجراءات الآمنة.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “الحق أقول لكم: لن يترك هنا حجر على حجر الا وينقض”، وقال: “1. نبوءة يسوع عن خراب هيكل أورشليم، تحققت على يد الرومان سنة70. فتوقفت نهائيا تقدمة الذبيحة وأفعال العبادة، وأصبح الهيكل قلعة، ولم يبق منه حتى يومنا سوى “حائط المبكى”. نبوءة يسوع هذه استبقتها علامة واضحة، فعندما أسلم الروح مصلوبا، “انشق حجاب الهيكل إلى شطرين، من فوق إلى تحت” (متى 27: 50-51). ما يعني أن الهيكل فقد مبرر وجوده، كمكانٍ لقاء مع الله بالذبيحة والصلاة.لأن الشعب قتل رب الهيكل.

2. هذه عبرة لجميع الناس، وعلى الأخص لحكام الدول والجماعة السياسية التي تتولى خدمة شؤون المواطنين من أجلِ خيرهم العام وخير كل مواطن. فإذا وضعوا الله جانبا، ماذا يصبح المواطنون؟ يصبحون كما عندنا في حالة إهمال، وفقر، وحرمان، وظلم، وهجرة. وفي أي حال تصبح الدولة؟ تصبح كما عندنا في تفكك مؤسساتها الدستورية وأوصالها، وفي حالة نفوذ واستقواء وفرض شروط بين مكونات الوطن، خلافا لنظام لبنان السياسي الذي هو ديموقراطي وتعددي ثقافيا ودينيا، ومنفتح على الدول شرقا وغربا بتواصلٍ وتعاونٍ وتبادلٍ، مع حفظ سيادته بعيدا عن النزاعات والأحلاف والحروب، وحيادي ناشط بحكم هويته وطبيعته من دون نصٍ قانوني، داخليٍ أو إقليميٍ أو دولي، كما في السنوات الخمسين الأُول من حياته كدولة قائمة بذاتها.

3. نلتقي للإحتفال معا بهذه الليتورجيا الإلهية، ونحن مع كل شعبنا في حالة قلق بسبب تفشي وباء كورونا بشكلٍ مخيف، وتداعيات انفجار مرفأ بيروت، واشتداد الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية الخانقة، وفوق كل ذلك افشال تأليف حكومة جديدة كما كان يريدها الشعب والعالم منقذة تكنوقراطية، غير مسيسة، فاعلة، وقادرة على اجراء الاصلاحات والبدء بعملية النهوض الاقتصادي والمالي والاجتماعي. وبكل اسف الخراب يكتفي بلحظة وبتحجر في المواقف، أما البناء فيقتضي سنوات من العمل بتجرد وتواضع وبذل.

إن المسيح الحاضر معنا في سر محبته القربانية لن يتركنا فريسة الألم والظلم والقلق والحرمان، ولا فريسة “تجار السياسة” كما سماهم المغفور له الرئيس فؤاد شهاب.

4. يسعدني أن أحيي جميع الحاضرين معنا، وبخاصة الرابطة المارونية، رئيسا وهيئة تنفيذية واعضاء، ومؤسسة المقدم المغوار الشهيد صبحي العاقوري التي أسستها زوجته السيدة ليا إحياء لذكراه وذكرى شهداء الجيش اللبناني، تحت شعار “للهِ رجال، إن هم أرادوا أراد”. نحييها مع أولادها الأربعة ومعاونيها. تُعنى المؤسسة بأطفال شهداء الجيش وعائلاتهم، فتقوم بنشاطات لصالحهم من مثل السفر الى الخارج وتنظيم رحلات ومخيمات ترفيهية، ودورات تثقيفية وجوقة تراتيل وأغاني، بالاضافة الى انشاء حدائق عامة في اكثر من منطقة لبنانية، وتجهيز قاعات في ثكنات عسكرية، بالتعاون مع قيادة الجيش والقوى الامنية وقوات الامم المتحِدة العاملة في جنوب لبنان. وأنشأت لها فرعا في ايطاليا للتبادل الثقافي والحضاري.

5. تذكرنا هذه المبادرة النبيلة بأن شهداء الجيش هم شهداء كل عائلة لبنانية، وبأن استشهادهم هو من أجلنا جميعا. استشهدوا دفاعا عن لبنان ضد الارهاب ومنعا للفتنة وصونا للوحدة الوطنية. فوجه تحية تقدير لقيادة الجيش على التضحيات التي قدمها والإنجازات التي حققها وكان آخرها العملية الأمنية التي جرت بالأمس في منطقة وادي خالد ضد المجموعات الارهابية ومطاردتهم بالتعاون مع الاجهزة الامنية الاخرى. إن الجيش مخول، مع سائر القوى الأمنية الشرعية دون سواهم، حماية سيادة لبنان، واحتضان ثورة الشعب اللبنانيِ من أجل التغيير. فإليه وحده يرتاح الشعب.

6. الحق الحق أقول لكم: لن يترك هنا حجر على حجر إلا وينقض (متى 51:24).انصدم تلاميذ يسوع بهذه النبوءة، فظنوا ان خراب الهيكل يعني نهاية العالم، واقتراب مجيئه الاخير.فبخرابه تنتهي الذبيحة، ويفقد الله سكناه بين البشر. لهذا السبب جاؤوا الى يسوع وسألوه: “متى تكون هذه، وما هي علامة مجيئك وانتهاء العالم؟” (متى 3:24).
لم يجيبهم يسوع على سؤالهم المزدوج. بل كلمهم عن أحداث ومصاعب واضطهادات وتضليلات، تستدعي منهم الثبات في الايمان، والصمود في الرجاء، والصبر على المحنة. كلمهم عن المسحاء الكذبة الذين يحاولون زعزعة ايمانهم، وعن الحروب والفتن التي تهدد رجاءهم، وعن الاضطهادات والمضايقات التي قد تفقدهم القدرة على الصبر. لقد دعاهم بهذه الثلاثة الى الغاية الاساسية من جوابه وهي تأكيده أن: من يثبت الى المنتهى يخلص (الآية 13).

انها دعوة موجهة الى الجميع، ولا سيما في الظروف الصعبة الراهنة التي نعيشها اليوم في لبنان، وغيرُنا في بلدانهم، وبخاصة في بلدان الشرق الاوسط. بفضل هذا الثبات في الايمان والرجاء والصبر، استطاع اجدادنا، عبر العصور ومحنها المتنوعة، المحافظة على وحدتهم وكرامتهم واستقلاليتهم حتى بلغوا الى انشاء دولة لبنان الكبير.

وختم الرب يسوع جوابه لتلاميذه بالدعوة الى الكرازة بانجيل الملكوت، من اجل خلاص العالم وانتصار القيم السماوية، ومن بعدها تكون النهاية (الآية 14).

7. يملي علينا انجيل اليوم أنه في الزمن المصيري ينبغي على مكونات الأمة أن تلتقي لتنقذ الدولة ولا تختلف فتخسرها. في الزمنِ المصيري لا قيمة لأي نقطة تسجل خارج مرمى الوطن والخير العام، بل يتنازل الجميع لصالحهما إن فاعلية أي مكون هي في تفاعله مع الآخرين لا في الاستقواء عليهم. دورنا معا أقوى من دورنا متفردين ومنفردين. حبذا لو أن انفجار المرفأ وإلتفاف الدول حول شعب لبنان شكلا صحوة الضمير الوطني الداعي الى تأليف حكومة حسب الدستورِ والميثاقِ ووثيقة الوفاق الوطني نصا وروحا، وبنية صادقة وبسرعة خارقة. أما وقد أحرج الرئيس المكلف مصطفى أديب فأقدم على الاعتذار، أصبحت البلاد أمام أخطار متعددة ليس أقلها غياب حكومة تقود عملية إنقاذ البلاد وملاقاة المؤتمرات الدولية والتفاوض مع صندوق النقد الدوليِ. وفوق ذلك خيب الاعتذار أمال المواطنين ولاسيما الشباب الذين كانوا يراهنون على بدء تغيير في الطبقة السياسية من خلال حكومة جديدة بوجوه واعدة، وفاقم الازمة الوطنية والحكومية، اذ بدا كأنه يسلم بفيتو غير موجود في الدستور والميثاق ووثيقة الوفاق الوطني.

8.إن البطريركية المارونية تنطلق دائما من أركان الدولة الثلاثة المتكاملة: الدستورِ والميثاقِ ووثيقة الوفاق الوطني التي تحفظ توازن مكونات وطننا الواحد، المشترك والنهائي، وتجمعنا في وحدة وطنية على تنوع طوائفنا ومذاهبنا واحزابنا وحرية الرأي والتعبير.
وإذ نحرص على ان تبقي فرنسا مشكورة عزمها على مساندة لبنان، فاننا حفاظا على الاركان الثلاثة ندعو الى عدم تخصيص اي حقيبة وزارية لاي فريق او حزب او طائفة او مذهب بشكل دائم، بل الى اتباع قاعدة المداورة الديمقراطية. فلا يمكن الاعتداد بعرف أو التفرد بخلق أعراف من دون توافق، ومن دون اعتراف الآخرين بها.
وفي كل حال مهما اختلف اللبنانيون، يجب أن تبقى لغة الحوار أقوى من أي لغة أخرى. ويجب أن تبقى إرادة العيش معا أقوى. فمعيار نجاح العيش معا ليس الوجود الجسدي بل التفاعل الروحي والحضاري والوطني والنظرة إلى أفق واحد وغاية واحدة، هما لبنان وشعبه.
فلنصل كي يعضد الله الجميع على ذلك، فله المجد والشكر والتسبيح، الآب والابن، والروح القدس، الآن والى الابد، آمين”.

ابي نصر

وعلى أثر الزيارة، أصدر أبي نصر البيان الاتي: “إزاء خطورة الوضع الذي بلغه لبنان والوصول الى حائط مسدود في عملية تشكيل الحكومة وحيث أن الازمة تطورت من أزمة حكومة الى أزمة نظام، فان الرابطة المارونية تتوجه الى صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي ليدعو في أسرع وقت الى لقاء تشاوري للقيادات المارونية للبحث في ما آلت اليه الامور لتحمل مسؤولياتهم واتخاذ القرارات المناسبة لحماية الدولة من الانهيار في ذكرى مئويتها الاولى وتجديد الميثاق بين اللبنانيين بما يحفظ وحدة الارض والشعب والمؤسسات واستعادة التوازن والتكافؤ في آلية الحكم على قواعد الاحترام المتبادل بين المكونات وتحقيق مبدأ العدالة في قيام نظام جديد يطمئن من جهة الطوائف ويرسي من جهة أخرى دولة المواطنة. وتعتبر الرابطة المارونية ان بكركي بما تمثل من دور تاريخي وموقع وطني مؤهلة للقيام بهذا الدور الذي نهضت به في السابق مرات عدة. كما تعتبر الرابطة أن ما يجمع بين اللبنانيين، أكثر مما يفرق، وأن المطلوب هو بناء دولة قوية وليس الاستقواء على بعضنا البعض، وتحذر من أن التصلب في المواقف قد يؤدي بنا الى هلاك الدولة فلنتعظ جميعا ولنبادر الى الحوار والتهدئة والتعقل قبل فوات الاوان. وليكن معلوما أنه لا يمكن لاي طائفة مهما كثر عددها وعلا شأنها وكبرت امكاناتها ان تستأثر بالحكم في لبنان. ولنا من تجارب الماضي العبر”.
24

مقالات ذات صلة