عودة الصخب إلى المدن الصناعية.. والدولار هو الحَكَم
كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
الناس في مأزق حقيقي، فكلّ ما حولهم يرتفع. باتوا اكثر قلقاً ورعباً وجنوناً، وسط موجة السرقات التي بدأت تتزايد. فالقلّة تعلّم الحرام، على حدّ قول المثل، والظلم يولّد العنف، وِفق نظام السيطرة والفوضى الذي ساد في عدة دول. اما في لبنان فالأمور مختلفة، الغلاء يجعل الناس تشتري بكميات أكبر مخافة ارتفاع الأسعار أكثر، والإحتكار يدفعهم لتخزين البضائع درءاً لفقدانها. لم يتعلّموا قاعدة “قاطع لتكسب”، على العكس، ارتضوا الذلّ، فأمعن الحكّام والتجّار بإذلالهم أكثر و”مع حبّة مسك”.
وِفق المؤشّرات، فإن وضع المواطن المعيشي والإقتصادي بات في الحضيض، وهو يتوقّع أن يتفاقم اكثر في الأشهر المقبلة بعد خسارته “تحويجة العمر”، وما يجنيه من عمله اليومي، إن استمرّ به، فهو لا يكفيه يوماً واحداً في زمن الغلاء والجشع.
صحيح إختفت الطوابير على ابواب المصارف والمتاجر الغذائية ومحطات المحروقات، غير أنها تؤشّر لأيام عصيبة، كثر باتوا “عالأرض يا حكم”، وكثر يتقاضون دولارين في اليوم، والسواد الأعظم يعاني الأمرّين: مرّ الاقتصاد ومرّ “كورونا”، كلاهما وجهان لنتيجة ظالمة أنتجتها طبقة سياسة فاسدة وشعب خمول.
في الطريق حركة شبه عادية، محال شرّعت ابوابها للغلاء، وأخرى لمصّ دم الناس. فالدولار هو الحكم هذه الايام، ومن يقف بوجهه؟
داخل المدن الصناعية حيث عادت الحياة لصخبها المعتاد، زحمة سيارات وشبّان ونرجيلة، وزحمة عمل، فالكل يريد إصلاح الاعطال داخل سيارته، هذه الاعطال التي تزايدت بشكل كبير خلال الآونة الاخيرة نتيجة الغش في الزيوت والمحروقات والبضائع الرديئة الصنع والرخيصة الثمن. وحده المواطن “يبلع الموسى”، فالقطع “ع الدولار”، واجرة يد المعلّم أيضاً، وإن تقاضاها “عاللبناني”، فانّه يتلاعب بأسعار القطع، فـ”الكولييه” التي كانت قبل عام بـ4 دولارات باتت اليوم بـ8 دولارات وبنوعية سيئة. لم يرتفع سعرها، بل المعلّم رفع سعرها لمزيد من الربح، هذا ناهيك عن الزيت المغشوش الذي يباع في الاسواق، وتشير المعلومات أنه يجري تكريره من زيوت قديمة تالفة، ويعاد بيعه في الاسواق بأسعار خيالية. فالسيارة التي كانت تحتاج الى 2 كيلو زيت كل ستة اشهر لا يتجاوز ثمنه الـ30 ألفاً، باتت بحاجة كل 15 يوماً أو اقل الى 2 كيلو بـ80 ألفاً، نتيجة تلف الزيت والحاقه الضرر بمحرّك السيارة، هذا ناهيك عن الاعطال التي لا تُعدّ ولا تحصى. “من وين بدو يلاقيها المواطن؟”. فعدّاد الازمات يتزايد، تهطل عليه كالشتاء وإن تقاطعت جميعها بالغلاء الفاحش الذي بات الخبز اليومي لمواطن يتعلق “بالمدعوم” وهو مفقود، وإن توفّر، فهو مشروط.
مع دخول البلد مرحلة الفتح الثانية والتي شملت محلات الصناعيين على انواعها، إستشعر المواطن الخطر وبات يحسب الف حساب لاعطال السيارة والقطع الكهربائية. ويؤكد احد الصناعيين أن المهنة باتت تدرّ مالاً طائلاً، فأيّ عطل يكلّف الزبون 100 دولار، اي 900 ألف ليرة، وهو مبلغ يفوق الحدّ الادنى للاجور، فإذا كان راتب المياوم الشهري لا يتعدّى الـ70 دولاراً، دعسة بنزين للسيارة ثمنها 50 دولاراً، تضاف اليها اجرة الميكانيكي فتتخطّى الـ700 ألف. لا يُخفي محمد أنّ الميكانيكي كما البنشرجي والحداد والدهان، جميعهم يستفيدون من الدولار، فالقطع كلها بالدولار. منية سيدة “اكلت الضرب” بالبنزين المغشوش، حين ملأت خزّان سيارتها ضرب المحرّك، فالبنزين الذي يباع معظمه مغشوش وبلا اوكتان، وسيارتها توقّفت وتعطّلت البخاخات والفلاتر انسدّت، بعدما تحوّل البنزين “كمخة”، كما قالت. وأوضحت أنها تكبّدت خسارة مليون ليرة ثمن اصلاح سيارتها، وأن الميكانيكي يستغلّ الظرف ليتلاعب بأسعار القطع، عبر عقد صفقة بينه وبين بائع القطع، “أي اكلت الضرب مرتين، وطبعاً القطع والتصليح مش مدعومة”.