كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
لا إجراءات وقاية ولا كمّامات ولا تباعد، هذه باختصار أوضاع اللاجئين السوريين في مخيّمات الشمال، لا سيّما في عكّار والمنية. يتكتّم هؤلاء على أيّ شيء حيال هذه الجائحة، وهذا ما تؤكده الزيارات الميدانية إلى عدد من المخيمات، ولذلك يردّد الكثير من المواطنين: لماذا لا يوجد “كورونا” في المخيّمات السورية؟
وبينما يغزو “كورونا” المخيمات الشمالية، يجد اللاجئ السوري حرجاً في الإعلان عن إصابته أو شعوره بالعوارض. يقول اللاجئ نايف البردان: “منشعر بأوجاع بس ما معنا نعمل فحوص وما حدا بيعوّض علينا، وإذا كان اللبنانيي ما عم يلاقوا مستشفى شلون نحنا بدنا نلاقي؟”.
وبين من يعترف ومن لا يعترف، في أحد مخيمات قعبرين كان سكّانه يعدّون العدّة لما يشبه العرس، أو أقلّه هذا ما توحي به حركتهم في ذلك اليوم. إنهم يرفضون شيئاً اسمه “كورونا”. بلهجتهم يقولون “كرونا” نحنا ما عنا ما منسمع فيه إلا في الأخبار”. عندما سألناهم لماذا لا ترتدون الكمّامات أجاب الشاويش عن الجميع بشكل تسلّطي: “الحمد لله ما عنّا شي، نحنا كلنا هون قرايب وما في شي أبداً”. نصّب هذا الشاويش نفسه الطبيب وولي الأمر عن الجميع، حتى المتكلّم بلسانهم جميعاً.
إنتقلنا إلى مخيم آخر في قبة شمرا، وكان الشاويش غائباً، فأخذ السكّان راحتهم في الكلام أكثر. بالنسبة إليهم “كرونا” كما يسمّونه بلهجتهم “غير موجود”. يسمعون عنه في الأخبار ومن المنظّمات التي تزورهم وقدّمت لهم مساعدة (400 ألف) لبضعة أشهر وانقطعت. يقول اللاجئ مرفوع شبل موسى (65 عاماً): “أعطتنا الأمم مساعدة “كورونا” لمدة ستة أشهر ولا شيء آخر. كلّ شيء ارتفع سعره، ولا ندري من أين نأتي بالمال”. أما نضوة الموسى فتشير إلى أنّ “الكثير من سكّان هذا المخيم يشعرون أحياناً بنزلات برد ووجع رأس. أنا مررت بهذه الحالة… كنا ناخد البنادول ونطيب”. ربما هي قساوة العيش عند هؤلاء لم تترك لديهم مجالاً للخوف من المرض.
المفوضية: نسعى الى الحد من الوباء
يشير المسؤول الإعلامي في UNHCR في لبنان خالد كبارة في حديثه إلينا إلى أنّ “المفوضية هي جزء من الخطة الوطنية لمواجهة “كورونا” في لبنان وندعم الحكومة في ما بات يعرف بخطة الإستجابة للحدّ من انتشار فيروس “كوفيد 19”. ويضيف: “نحن كمفوضية نسعى دائماً للحدّ من هذا الوباء ونشجّع اللاجئين على الإعلان عن حالات داخل المخيمات. وللحدّ منه، أقمنا عدّة دورات وجلسات توعية حول كوفيد، ووزّعنا حزم نظافة شخصية ومعقّمات. أما في مجال الرعاية، فهناك برنامج وطني ندعم من خلاله 5 مستشفيات في لبنان منها 2 في الشمال، وقدّمنا الدعم بالأسرّة ومراكز العزل التي اعتمدت من إدارة الكوارث، وكل ذلك في سبيل المساعدة في مواجهة “كورونا” سواء عند اللبنانيين أو عند اللاجئين السوريين”.
إصابات ووفيات
تخوُّف اللاجئين من صيت الإصابة بـ “كورونا” يتأتّى من أمرين أساسيين: الأول، لأنّ هناك أعداداً كبيرة من هؤلاء على الأراضي اللبنانية بطريقة غير نظامية، والثاني لفقدانهم العمل لدى ربّ العمل اللبناني. فبالنسبة إلى هذا اللاجئ، اليومية مهما كانت (10 أو 20 ألف ليرة) هي أفضل بكثير من الجلوس في الخيمة من دون عمل لأسابيع أو فقدانه بشكل كلّي. ويوجد في لبنان نحو مليون ونصف لاجئ سوري، المسجّل منهم لدى الأمم فقط 865 ألفاً، بينهم 233 ألف لاجئ في الشمال وفي عكار وحدها 133 ألفاً، لكنّ الأرقام الحقيقية هي أكثر من ذلك بكثير، حيث أنّ عكّار وحدها فيها قرابة 400 ألف لاجئ بين مسجّل وغير مسجّل. قبل مدّة أصيب اللاجئ (س.ع) في أحد مخيمات عكّار بـ”كورونا” ودخل إلى المستشفى الحكومي. زوجته نوفة روت ما حصل معه: “زوجي يبلغ من العمر 55 سنة، قبل أيام أحسّ بعوارض تشبه الكريب ووجع رأس. أخذته إلى الطبيب هنا في قرية قريبة، أعطاه أدوية وعاد إلى المنزل، لكنّ وضعه الصحّي لم يتحسّن. أخذناه إلى الطبيب مجدّداً فقال إنه بحاجة إلى دخول المستشفى لأنّها عوارض “كورونا”.. هناك في المستشفى أجروا له تحليلاً (وتقصد فحص “PCR”) وكلّ شيء دفعناه على حسابنا. وكانت النتيجة إيجابية”. وعما تفعله نوفة وهي أمّ لخمسة أولاد بعد علمها بالإصابة؟ اجابت: “قاعدين حاطين كمامات وعلى الله”.
لا مكان للحجر
ليس في هذه الخيم الضيقة أي مجال لما يسمى بالحجر المنزلي المطلوب لأسبوعين حتى يتخطّى المريض مرحلة العدوى. فأكبر خيمة لا تتعدّى الـ 8 أمتار، وتسكنها عائلة من 5 أشخاص أقله وأحياناً تسكنها أكثر من عائلة معاً. ومع أن اللاجئ يرفض دخول المستشفى مهما بلغت إصابته سواء أكان مسجّلاً أم لا، إلا أنّ عدد الإصابات يرتفع بشكل ملحوظ داخل المخيمات في الشمال. وأفدنا من المستشفيات في المناطق بأنّ “هناك وفيات أيضاً في صفوف اللاجئين السوريين”. وذكر لاجئ سوري يعمل لدى منظّمة إغاثة محلية بأنّ “هناك بالفعل حالات “كورونا” كثيرة في مخيمات الشمال، وهذا ما نشاهده في تعاطينا شبه اليومي مع سكان المخيّمات حيث تظهر عليهم العوارض بشكل كبير، كالسعال وضيق التنفّس ووجع الرأس، لكن مع الأسف حملات الفحوص تكاد تكون معدومة… لقد سمعت قبل أيام عن وفاة رجل في أحد المخيمات كانت لديه تلك العوارض وتم دفنه بشكل طبيعي على أساس أنها وفاة عادية”.
سجلت وزارة الصحة عبر برنامج الترصد الوبائي 72 حالة وفاة في صفوف اللاجئين كأرقام رسمية. وكأرقام غير رسمية، فإن بلدية عرسال البقاعية وحدها تتحدث عن 14 حالة وفاة في صفوف اللاجئين. ولما كانت مفوضية شؤون اللاجئين تتعاطى فقط مع المسجّلين لديها، وكذلك وزارة الصحّة تتعاطى عبر المفوضية، فإن غياب العديد من البلديات عن متابعة تطور الوباء في المخيمات بحجة عدم وجود المال لديها، وغياب الخطة الشاملة للدولة اللبنانية حيال هذه الفئة التي تشكل ما يقارب ثلث الشعب اللبناني، فإن كل لاجئ يعتبر حالة “كورونا” متنقلة بين المناطق، خصوصاً وأنّ هؤلاء اللاجئين وبالرغم من إصابتهم يتجولون بين اللبنانيين، ويعملون في كل مكان، ولا يقتصر الأمر على اختلاط بعضهم ببعض.