معركة عون والحريري.. مَنْ يصمد في ملعب النار؟
باتت الأزمة الحكومية في لبنان محكومة بسياسة شدّ الحبال وعضّ الأصابع بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري اللذين يحاولان فرض شروط متناقضة الى حدّ كبير، الامر الذي يجعل من أي منهما خاسرا أمام تحقيق شروط الآخر.
فإلى متى يستطيع كل من الطرفين الصمود في ملعب النار؟
بعيداً عن أن تشكيل الحكومة حاجةٌ ملحّة للجميع، غير أن الرئيس سعد الحريري هو أقل الخاسرين على المستوى السياسي، حيث انه يملك قدرة أكبر على الصمود تفوق قدرة عون، إذ ان الحريري، المتسلح بالدستور، يدرك جيداً أن لا مدّة زمنية محددة تفرض إنجاز الحكومة مهما حاول الطرف الآخر التهويل بالبحث عن ثغرات تمكّنه من سحب ورقة التكليف، على عكس عون المتضرّر الأول من سياسة المناورة والتعطيل حيث أن “العهد” يدفع أثماناً باهظة من “كيسه” ، فكلّما تأخر التشكيل كلّما ازدادت انتكاساته وتآكل من رصيده!
وفي الحديث عن الخسائر، فإن اللبنانيين هم أكبر الخاسرين من الشلل السياسي الحاصل، حيث أن خطر الإنهيار الكامل المتربّص بالبلد بات يهدّد أمنهم المعيشي واستقرارهم الأمني إذا ما استمرّت الممارسات على ما هي عليه. ولكن، وحتّى لو تشكّلت حكومة جديدة وتمّ التوافق بين الأفرقاء السياسيين حول تركيبتها وشكلها وعدد وزرائها، وحتى في حال قبول الحريري بشروط عون و “التيار الوطني الحر” التي ستكبّله لاحقاً، فإن طرق الإنقاذ تبدو مسدودة، إذ انه كيف من الممكن لحكومة تحكمها الخلافات العميقة والصراعات السياسية بين طرفين أساسيّين في السلطة ان تقوم بتنفيذ الاصلاحات المطلوبة سواء لجهة ما ورد في المبادرة الفرنسية او لجهة مطالب صندوق النقد الدولي، فضلاً عن “الڤيتو” الاقليمي والدولي الذي قد تواجهه الحكومة في ظلّ مشاركة “حزب الله” فيها؟
يدرك الحريري جيدا أن “الثلث المعطّل”، الذي يبدو أن لا تراجع عنه، سيكون من أشدّ المطبّات التي قد تواجه حكومته المحكومة بالفشل قبل تشكيلها، ذلك في حال تمسّك رئيس التيار “الوطني الحر” جبران باسيل بورقته الرابحة للسيطرة على الحكومة والإمساك بمفاتيح القرار في الملفّات التي تتطلب موافقة ثلثي أعضاء الحكومة، لا سيّما في مسألة الاصلاحات والتعيينات والتشكيلات وغيرها من الملفات الأساسية في لبنان.
من هُنا، يمكن القول أن تشكيل الحكومة من عدمه لن يستطيع ردم الهوّة ما بين “العهد” والحريري إذا لم يتراجع طرفا النزاع عن التصعيد في مواقفهما وتجاوز التشنّجات السياسية والشخصية بينهما ليمضي الحريري بخطوات جدية ترضي المجتمع الدولي من اجل الحصول على مساعدات تخفف من حدة الانهيار، ودون ذلك فإن الأمر من شأنه أن يؤثر سلباً على الوضع العام في لبنان ويحول دون استعادة الثقة الدولية ويزيد من استفحال الأزمة التي ستُدخل البلاد في فوضى عارمة لا تُحمد عقباها.