4 فرضيات لانفجار المرفأ.. القضاء عاجز والسلطة تخشى الحقيقة
تُستأنف يوم غد الخميس التحقيقات القضائية في ملف انفجار مرفأ بيروت، بعد توقّف قسريّ دام نحو شهرين، إثر المذكّرة التي تقدّم بها الوزيران السابقان علي حسن خليل وغازي زعيتر، وطلبا فيها كفّ يد المحقق العدلي القاضي فادي صوّان عن القضية، غداة ادعائه عليهما وعلى رئيس الحكومة المستقيلة حسّان دياب والوزير السابق يوسف فنيانوس بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة الأبرياء، فضلاً عن الإقفال العام الناتج عن أزمة كورونا.
ويعاود القاضي صوّان تحقيقاته، بالتزامن مع ارتفاع منسوب التشكيك بحيادية القضاء من جهة، وتعاظم مطالب أهالي بيروت الداعية إلى الإسراع بكشف حقيقة الانفجار من جهة ثانية، دون أن يبدّد ذلك خيبة أمل اللبنانيين من وعود السلطة التي تعهدت بكشف حقيقة الانفجار المدمّر في غضون خمسة أيام كحدّ أقصى، وتجاهلها مرور ستة أشهر من دون تبيان الحقيقة أو بعض خيوطها، بما يُبلسم جراح المفجوعين والمصابين والمشرّدين، في بلد كلّما استفاق أهله من أزمة وقعوا في كارثة أكبر منها.
لبنان عاجز
هل التأخير في الكشف عما توصّلت إليه التحقيقات أمرٌ مبرّر، أم أنّ الوعود التي أُطلقت بالإعلان عنها خلال خمسة أيام كان متسرّعاً؟، سؤال حمله “لبنان 24” الى رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي شكري صادر، الذي دعا إلى “عدم الإصغاء الى كلّ ما يصدر عن مسؤولينا”، معتبراً أن “تحديد 5 أيام لإعلان نتيجة التحقيق ليس إلا استخفافاً بعقول الناس ولإسكات رأي عام مقهور وغاضب”. وقال “تحقيقات بجريمة ضد الإنسانية بهذا الحجم لا يمكن أن تنتهي خلال أيام، وبرأيي لبنان غير قادر على التحقيق بهذه الجريمة وكان يجب تسليم القضية الى جهات دولية لديها مصداقية وإمكانيات تقنية وشفافية وجرأة وتجرّد، وهي بالطبع لن تكون خاضعة لأشخاص يريدون أن يسيروا التحقيق وفق ما يحلو لهم”.
اضاف : “السلطة لا تريد الوصول الى الحقيقة بدليل أنها سارعت منذ لحظة وقوع الانفجار، إلى رفض التحقيق الدوليّ بحجّة أنه يُميّع الحقيقة وهذا غير صحيح، هم يريدون التحقيق تحت إشرافهم ولا يرغبون بلجنة مستقلّة، والغريب في الأمر أنه منذ أن بدأت التحقيقات، بدأ الهجوم الحاد على التحقيق، ليس من قبل المواطنين والمتضررين وأهالي الضحايا، بل من السلطات الدستورية وتحديداً السلطتين التشريعية والتنفيذية، تحت شعار ممنوعٌ المس بموقع رئاسة الحكومة”. وتابع صادر “كان الله في عون هذا القاضي (صوّان) الذي يحاول أن يعمل بشفافية، والحمد لله أنّه لا يزال قادراً على الوقوف على رجليه”.
حيادية صوّان
وعزا رئيس مجلس شورى الدولة السابق، موجة التشكيك بحيادية القاضي صوّان “كي لا يتمكن من الوصول الى الحقيقة، بدليل أنّه عندما ما بدأ يضع يده على الجرح وطلب الاستماع الى الرئيس دياب والوزراء، قامت الدينا ولم تقعد”. وسأل: “من هو هذا الـ”رامبو” الذي يريد أن يتمرجل على القضاء وهناك 210 قتلى وستة آلاف جريح، الواضح أنّهم يريدون فرملة التحقيق”.
وعن إمكانية الوصول الى الحقيقة بهذا الملف، ناشد القاضي صادر السياسيين، وخاطبهم قائلاً :”اتركوا القاضي يشتغل، لا يمكن أن نفرض عليه الاستماع الى هذا الشخص قبل ذاك، هو الذي يملك المعطيات ويقرّر، والمعطيات يجب ان توفّرها له الأجهزة الأمنية”. وعاد صادر بالذاكرة الى الظروف التي رافقت التحقيقات في جرائم الاغتيالات السابقة بالقول: “لقد سقط 12 شهيداً منذ العام 2005 وحتى 2013، ولم يتوصل التحقيق في أي جريمة الى خواتيمه، ما يعني أن الأجهزة الأمنية لم تؤمن للقاضي المواد الأولية التي تساعده في التحقيق”.
أربع فرضيات
وأعطى رئيس مجلس شورى الدولة السابق، أربع فرضيات لانفجار مرفأ بيروت:
الأولى: إمكانية حصول ضربة عسكريّة من دولة عدوّة (إسرائيل).
الثانية: عملية كومندوس نفذت عبر البحر وفجّرت المرفأ.
الثالثة: حريق مفتعل للتستر على اختفاء كميات من نيترات الأمونيوم.
الرابعة: الإهمال والتقصير ولامبالاة المسؤولين بوجود مواد بهذه الخطورة.
بالنسبة للإحتمال الأول، يذكر القاضي صادر بأن 90 بالمئة من الناس سمعوا طيراناً حربيّا إسرائيليّاً كان يُحلّق في أجواء العاصمة، لكنّ هذه الفرضية أُهملت، علماً أنّ إسرائيل كانت أعلنت في الدقائق الخمس الأولى التي اعقبت الانفجار مسؤوليتها لتعود وتنفي هذا الأمر بعدما علمت بهول الانفجار، لحق بها “حزب الله” على الفور وأعطاها صك براءة، لسببين: الأوّل لأنه في حال كانت إسرائيل هي التي ضربت المرفأ، صار لزاماً على الحزب أن يُبرّر أنّه لم يكن لديه أسلحة أو “نيترات أمونيوم” في العنبر رقم 12 ، والسبب الثاني وهو الأخطر أنه صار لزاماً عليه الردّ على الضربة، من هنا غُيّب “حزب الله” وغُيّبت إسرائيل عن تلك المسؤولية. كما أزيل الاحتمال الثاني أي قيام إسرائيل بعملية كومندوس لتفجرّ المستوعبات التي تحتوي تلك المواد، كذلك الاحتمال الثالث المتعلّق بإشعال العنبر من أجل إخفاء سرقة كميات من النيترات، تماماً كما حصل عندما تمّ إحراق دوائر النفوس في بعلبك والهرمل والجنوب.
بين التاريخ ومزبلته
ولم يتردد صادر في تحميل الأجهزة الأمنية مسؤولية إسقاط الفرضيات الثلاث، لأنها لم تعطِ المحقق العدلي الأدلة على أي منها، إنما سهلت له الحصول على مواد أولية تتعلّق بالفرضية الرابعة فقط وهي الإهمال والتقصير بمعنى “علمنا وأهملنا”. وختم صادر متوجهاً الى القاضي صوّان بالقول : “العيون مفتّحة ليس فقط عليك إنما على القضاء ككل، فإما أن تنجح وتدخل التاريخ أنت والقضاء، وإما تفشل وتذهبان معاً الى مزبلة التاريخ”.
.lebanon24.c